وثيقة خاصة عن «المركزي»: المالية لا تعترف بالـ16.5 مليار دولار

وثيقة خاصة عن «المركزي»: المالية لا تعترف بالـ16.5 مليار دولار

حصل «كافيين دوت برس» على كتاب موجّه من حاكم مصرف لبنان بالإنابة (في حينه) وسيم منصوري إلى وزير المالية السابق، يوسف الخليل، صادر بتاريخ 12 شباط عام 2024 تُظهر جانباً من النقاش الدائر حول مبلغ  الـ16.6 مليار دولار الذي أضافه الحاكم السابق رياض سلامة في شباط الـ2023، إلى بند «قروض للقطاع العام» في ميزانية مصرف لبنان، كدين على الدولة بدل الدولارات التي «صرّفها» مصرف لبنان لمؤسسة كهرباء لبنان. وتؤكّد تبنّي منصوري للدين الذي اخترعه رياض سلامة، وطلبه عزل أحد الموظفين في ملاك وزارة المالية، وتكليف بديل عنه لمتابعة المسائل العالقة بين مصرف لبنان ووزارة المالية، بعدما قدّم هذا الموظّف أدّلة على عدم جواز احتساب دينٍ غير موجود!

الكتاب هو محضر اجتماع أعضاء لجنة تعديل النظام المحاسبي المعتمد في مصرف لبنان بتاريخ 30 تشرين الأول عام 2023، وقد أُرسل في شباط عام 2024 لتوقيع مُمثلي وزارة المالية عليه، قبل إعادته إلى مصرف لبنان. كانت لجنة تعديل النظام المحاسبي في مصرف لبنان برئاسة نائب الحاكم الرابع، ألكسندر مراديان وتضمّ كلّاً من: بيار كنعان (المدير التنفيذي لمديرية الشؤون القانونية)، محمد علي حسن (المدير التنفيذي لمديرية المحاسبة)، نعمان ندور (المدير التنفيذي لمديرية القطع والعمليات الخارجية)، شكري مونّس (المدير التنفيذي لمديرية الاحصاءات والأبحاث الاقتصادية)، رودولف موسى (المدير التنفيذي لوحدة متابعة استقرار القطاع المصرفي والمالي). وبوجود ممثلين عن وزارة المالية، هما اسكندر حلّاق عن مديرية الخزينة وحسن حمدان عن مديرية الدين العام. 

أربعة بنود ناقشتها اللجنة في ذلك الاجتماع.

أولاً: حساب حصيلة إصدار سندات خزينة خارجية بالدولار الأميركي ورصيده السلبي الذي يصل إلى حوالي 16.5 مليار دولار أميركي:

أوضح ممثل وزارة المالية حسن حمدان أنّ الحساب الخاص بالأموال التي جمعتها الدولة من إصدار سندات خزينة بالدولار كان يُقابله حتى تاريخ 31 كانون الثاني عام 2023 قيمة معادلة بالليرة اللبنانية. ولكنّ هذا الحساب أصبح مديوناً لأنّ «مصرف لبنان لم يشتر الدولار الأميركي لصالح وزارة المالية خلال الفترة السابقة». فردّ عليه رودولف موسى  (المدير التنفيذي لوحدة متابعة استقرار القطاع المصرفي والمالي) مُهوّلاً بأنّه «بغضّ النظر عن تعديل سعر الصرف من 1500 ليرة لكل دولار إلى 15000 ألف ليرة لكلّ دولار، هذا الانكشاف (أي الخسارة) ستتحمّلها وزارة المالية بالاستناد إلى أحكام المادتين 113 و116 من قانون النقد والتسليف». 

من غير المعلوم لماذا قرّر تخطّي تعديل سعر الصرف في النقاش الدائر، خاصة أنّه نقطة محورية في كيفية تسجيل الدين على الدولة. ولكنّ ما سُجّل في المحضر يؤكّد أنّ وزارة المالية أعطت مصرف لبنان المبالغ بالليرة، وكان عليه أن يُحوّلها إلى دولارات، ولكنّه تقاعس عن ذلك، ثمّ قرّر لاحقاً تحميل العبء للمواطنين في لبنان، عبر تسجيل دين على المالية العامة. 

ثانياً: معالجة بند فروقات إعادة تقييم الذهب والعملات الأجنبية:

عندما تتغيّر أسعار الذهب أو العملات الأجنبية، يقوم المصرف المركزي بإعادة تقييم ما يملكه منها، فإذا ارتفعت قيمتها يظهر ربح على الورق. لثلاث مرات، تمّ تحويل أرباح بند فروقات إعادة تقييم الذهب والعملات الأجنبية إلى حساب وزارة المالية. لكن منذ شباط 2023، تغيّر الاتجاه. نتيجة تغيير سعر الصرف في حسابات مصرف لبنان، أصبحت الفروقات سلبية. إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الخسائر على الورق هي دين على الدولة. المالية العامة استفادت من الأرباح حين كانت موجودة، ولكن لا توجد قاعدة تقول إنّها يجب أن تتحمّل الخسائر كدين عليها. بل تبقى الخسائر مُسجّلة في الحساب لدى المصرف المركزي، ولا تُحتسب كالتزام مالي على الدولة. 

ثالثاً: الحوالات الصادرة عن وزارة المالية ولم ينفذّها مصرف لبنان:

قامت وزارة المالية بإصدار تحويلات إلى مصرف لبنان ليقوم بصرفها، منذ أن كان سعر الصرف المعتمد 1500 ليرة، وهي تتضمن دفعات إلى المتعهدين، رواتب السلك الدبلوماسي في الخارج، والتزامات خارجية على الدولة اللبنانية. لم يتم تنفيذ الحوالات، وبعدما تمّ تغيير سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة، سيتمّ تكبيد الخزينة العامة كلفة فرق سعر الصرف. لذلك، من المفترض أن يُعالج مصرف لبنان هذا الموضوع مع وزارة المالية، وإلا ستزيد الأعباء المالية عليها. 

البند الرابع، وهو سندات الخزينة المستحقة لصالح مصرف لبنان عن الأعوام 2021 و2022 و2023، فلم تبحث به اللجنة بعد مغادرة نعمان ندّور (المدير التنفيذي لمديرية القطع والعمليات الخارجية) الاجتماع.

اللافت كان في تذييل وسيم منصوري كتابه إلى يوسف الخليل بعبارة «لفت نظر» إلى ضرورة «تكليف موظف في ملاك وزارة المالية ليحل محل السيد حسن حمدان في الاجتماعات التي ستعقدها اللجنة حول المسائل بين مصرف لبنان ووزارة المالية». لماذا؟ يقول أحد المسؤولين في الوزارة «للدور المعارض الذي يلعبه حمدان في وجه مصرف لبنان، وإبرازه الأدلة والمستندات التي تُثبت عدم جواز تحميل الدولة دين الـ16.5 مليار دولار، الذي من المرجّح أن يكون رياض سلامة قد سحبه من بند «أصول أخرى» في ميزانية مصرف لبنان وهو البند الذي يُخفي فيه خسائره، وأضافه إلى بند القروض للقطاع العام، الذي كانت قيمته صفراً حتى تاريخ شباط 2023». 

مشروع قانون الفجوة المالية (الفارق بين التزامات مصرف لبنان وموجوداته) يتأخّر بسبب المعركة حول كيفية إلزام الدولة بدفع الدين الذي سجّله رياض سلامة عليها، واعترف به كلّ من وسيم منصوري وكريم سعيد. ولكن ماذا عن الحكومة؟  

ما يُسوّق له حاكم «المركزي»، كريم سعيد والمقرّبين منه أنّ فريق رئاسة الحكومة قد قبل الاعتراف بالدين، والتفاوض على صفقة تؤدّي إلى مشاركة «الدولة» بـ8 مليارات دولار لسدّ الفجوة المالية، وبالتالي تحميلها مسؤولية أكبر من تلك المترتبة على المصارف التي يُريد سعيد تدفيعها أقل من 4 مليارات دولار. في المقابل، يؤكّد أحد الوزراء المتابعين للملفّ لـ«كافيين دوت برس» عدم صحّة ما يُنقل عن مصرف لبنان، فالخلاف واضح بين آلية عمل رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الاقتصاد عامر بساط من جهة، وحاكم البنك المركزي من جهة أخرى. وقد أتى كلام وزير المالية ياسين جابر في مقابلته مع جريدة «الأخبار»، ليُدعّم موقف السرايا. فقال جابر إنّ «هذا المبلغ خلقه رياض سلامة لتحسين دفاتره، ولكن لا يمكن تحميله للدولة إذ ليس متاحاً للدولة الاستدانة بلا قانون صادر عن مجلس النواب». لم يصدر قانون بمبلغ الـ16.6 مليار دولار، ولم تُسجّل في أي من الميزانيات العامة استدانة الدولة لهذا المبلغ، وهو ما كان يجب أن يحصل لو كان هذا الدين المزعوم فعلاً موجودًا. تمامًا كما رفض حاكم مصرف لبنان السابق بالإنابة وسيم منصوري طلب وزارة الطاقة تحويل الاعتمادات لدفع ثمن الفيول العراقي، مُتذرّعاً بغياب الغطاء القانوني من مجلس النواب، رغم أنّه في حينه كان الغطاء القانوني موجوداً كمرسوم إحالة مشروع قانون لتجديد اتفاقية الفيول العراقي من الحكومة إلى مجلس النواب، الذي أخّر إصدار القانون لأسباب سياسية.

أما الأخطر في حديث جابر فهو أنّ تسجيل الدين على الدولة يُشكّل خطرًا على العلاقة مع حاملي سندات الدين بالعملات الأجنبية الذين «يُمكن أن يقولوا أنتم لم تخبرونا بحجم الدين الذي عليكم قبل الاستدانة. ما يتيح لهم عندها تقديم دعاوى علينا بالغش وعدم قول الصراحة». 

الكتاب الذي ينشره «كافيين دوت برس» دليل إضافي من وزارة المالية على عدم جواز احتساب الـ16.5 مليار دولار. القصة لا تحتمل «وُجهات نظر» وطُرق محاسبية مختلفة. هناك حساب كانت قيمته صفراً وديناً لم تطلبه الدولة، ظهر قبل حوالي السنتين ويُطلب منها تحمّل مسؤوليته. الموضوع يستوجب تحقيقًا جديًّا يمنع فرض أعباء إضافية على المجتمع والأجيال المستقبلية. 

 

اقرأ المزيد من كتابات ليا القزي