كيف يمكن لمصرف لبنان أن يحمي ميزانيته من تقلبات سوق الذهب؟

كيف يمكن لمصرف لبنان أن يحمي ميزانيته من تقلبات سوق الذهب؟

يبلغ احتياطي الذهب في لبنان نحو 286.8 طن، أي ما يوازي 9.22 مليون أونصة. ثلثا هذا الاحتياطي، أي حوالي 191.2 طن، محفوظ في مصرف لبنان، والباقي في قلعة «فورت نوكس» في الولايات المتحدة الأميركية أي نحو 95.6 طن. اعتُبر شراء الذهب خطوة استراتيجية اتّخذها الحاكم الأسبق لمصرف لبنان، الياس سركيس، وحظيت حينها بحماية سياسية من مجلس النواب، الذي منع التصرّف بالذهب أو بيعه من دون قانون. وهكذا تحوّل الذهب إلى أصل سيادي ثابت، أدخل لبنان إلى نادي الدول الأكثر امتلاكاً لهذا الاحتياطي. هذا الأصل ممنوع بيعه أو تسييله، رغم محاولات الفريق المسؤول عن انهيار عام 2019 استخدامه لتسديد خسائر المصارف ومصرف لبنان، من دون أن ينجح حتى الآن.

في الأسابيع الماضية، عاد الذهب ليحتّل مكانةً في النقاش العام، خصوصًا في الطروحات المتعلّقة بكيفية معالجة الفجوة المالية في حسابات مصرف لبنان. ويواصل الحاكم الحالي، كريم سعيد، البحث مع عدد من النواب والمسؤولين في إمكانية تضمين قانون الفجوة المالية (الذي من غير المؤكّد أن ينتهي العمل عليه قبل موعد الانتخابات النيابية العام المُقبل) آلية تسمح باستثمار جزء من الذهب بعد تعديل القانون. ومع ذلك، وحتى في حال تأجيل أي قرار ببيعه أو استثماره، يجري التعامل مع الذهب كمكوّن أساسي من أصول «المركزي»، حيث تُحسب قيمته المرتفعة عالميًا لتقليص حجم الخسائر محاسبيًّا، أي على الورق، من دون المسّ به فعليًا.

ولكن ماذا لو حدث تصحيح في سوق الذهب العالمي، وانخفض السعر بعد هذا الصعود الكبير، ماذا ستكون النتيجة على ميزانية مصرف لبنان والفجوة المالية لديه؟ تراكم الخسائر من جديد.

تصل قيمة ذهب لبنان البالغة 286.8 طن إلى نحو 40 مليار دولار، حسب سعر الأونصة 4,344.60 دولار (صباح الثلاثاء 21 تشرين الأول 2025). إذا انخفض سعر الأونصة إلى:

  • 3,400 دولار، تصبح القيمة 31.3 مليار دولار. 
  • 3000 دولار، تصبح القيمة 27.7 مليار دولار.
  • 2000 دولار (السيناريو الأقل توقّعاً)، تصبح القيمة 18.4 مليار دولار.

في الوضع الحالي، تُسهم القيمة المرتفعة للذهب في شطب جزء دفتري من الخسائر المقدّرة بـ72.8 مليار دولار (وهو الرقم العلني المعتمد منذ ولاية رياض سلامة)، فلا يبقى على مصرف لبنان سوى نحو 32.8 مليار دولار لمعالجتها. وتسمح المعايير المحاسبية للمصارف المركزية بإعادة تقييم الذهب في ميزانيتها العمومية، ما يجعل ما يقوم به مصرف لبنان إجراءً مألوفًا ومستخدمًا في دول أخرى. كما يمكن تبرير استخدام الذهب في تغطية الخسائر باعتباره وسيلة لتفادي مزيد من الاقتراض. وبما أنّ مصرف لبنان يسعى إلى توصيف الأزمة على أنّها «نظامية»، ليدفع الدولة إلى تحمّل جزء من الخسائر مُساوٍ للحصّة التي يُريد تدفيعها للمصارف، يُصار إلى تصوير الذهب كونه «أصلًا وطنيًّا مملوكًا للشعب»، وبالتالي «يجوز» استخدامه، ولو ورقيًا فقط، لحماية النظام المالي. غير أنّ هذا الخيار ينطوي على مخاطر نظامية إذا تراجع سعر الذهب بعد اعتماده في سدّ الفجوات المالية، إذ سيعود مصرف لبنان إلى تسجيل خسائر لم تُعالج من أساسها. وسيعود معه الحديث عن ملاءة «المركزي» المنهارة، وعن غياب الثقة بالقطاع المصرفي، وعن البحث عن طرقٍ لسدّ الفجوة. ولكن حتى وإن تأخّر تصحيح أسعار الذهب عالميًا، يبقى أنّ احتساب كامل قيمة الذهب في تغطية الخسائر هو مجرّد تجميل محاسبي لا أكثر. فهو لا يُدخل دولارًا واحدًا إلى النظام المصرفي، ولا يُستخدم فعليًا في التسديد، بل يظلّ أقرب إلى عملية نقل أرقام على الورق، لا إلى حلّ حقيقي للأزمة.

كيف يمكن لمصرف لبنان أن يستفيد من ارتفاع أسعار الذهب عالميًا من دون أن يعرّض ميزانيته لمخاطر السوق العالمي؟

يمكن اعتماد مقاربة حذرة تقوم على الاستفادة من جزء من الأرباح الدفترية الناتجة عن ارتفاع سعر الذهب، من دون المساس بأصل الاحتياطي نفسه. فمع غياب ثقة حقيقية بالسلطة السياسية وبقدرتها على إدارة عملية بيع أو تسييل الذهب بطريقة شفافة ومسؤولة، يبدو الخيار الأكثر عقلانية هو استخدام جزء محدود فقط من هذه «الأرباح» غير المحقّقة، ما بين 10 و20% أي ما لا يتعدّى الـ8 مليار دولار، تُحوَّل إلى حساب خاص وتستخدم في عملية تقليص الفجوة. الاكتفاء باستخدام جزء من الأرباح الدفترية فقط، وليس الرهان على كلّ قيمة الذهب، يُشكّل عامل ضمانة للبنك المركزي والحكومة اللبنانية في وجه تقلّبات سوق الذهب العالمي، فلا يرتبط ميزانه بالكامل بصعود الأسعار أو هبوطها، ويُشكّل فرصة لمعالجة الخسائر بطريقة منطقية وفعّالة، بعيدًا عن لعبة «المونوبولي». 

 

اقرأ المزيد من كتابات ليا القزي