قلق جنوبي متجدد من منطقة حدودية خالية

قلق جنوبي متجدد من منطقة حدودية خالية

في ظل التسريبات عن ضغوط وتحذيرات للسلطة اللبنانية، بوجوب وضع حدّ لسلاح حزب الله، وضبط الوضع ، ليس فقط جنوبا، وإن كان أولوية، بل على المساحة اللبنانية عموما، يعيش المواطن الجنوبي، وخاصة الحدودي، حالة من الترقب القلق تنعكس على مختلف أوجه نشاطاته اليومية.

هذا الترقب القلق، يستمد جديّته ليس فقط من تسريبات وتصريحات وتحذيرات شفوية، إنما أيضا من وقائع وممارسات فعلية على الأرض، تستند إلى تفسيرات للإتفاقية الأمنية الموقعة مع لبنان في تشرين الثاني من العام الفائت. والتي لا يزال بعض من بنودها غامضة او مستترة على المواطن الجنوبي. أو على الأقل قابلة للتأويلات المختلفة من قبل مختلف الأطراف.

وهكذا يدفع مواطنو المنطقة الحدودية أثمانا باهظة من أرواحهم وأرزاقهم في دوامة يجهلون اتجاهات دورانها وتاريخ نهاياتها. فالمسيّرات تلاحقهم يوميّا، وتوقع الضحايا بالعشرات. والقذائف المدفعية تزنّر قراهم وتمنعهم من استغلال أراضيهم التي تبعد أمتارا عن منازلهم. وبيوتهم ومحالهم المهدمة تظل أطلالا أمام أنظارهم، دون مقدرتهم على رفعها، أو حتى مجرد التفكير برفعها.

وهم أمام هذا الواقع ، يترددون بالعودة الى قراهم التي نزحوا عنها. ومن بقي منهم في قراه، ومن عاد بأعداد قليلة، يطرحون على أنفسهم السؤال الدائم : هل سنبقى في قرانا ؟.

وكأن تحليق المسيرات التي تحصي أنفاسهم ليل نهار، وكأن هدير القذائف ، وعزف الرصاص الذي يحيطهم ، لا يكفيهم، فتأتي التسريبات عن مصير قراهم، لتقض مضاجعهم وتزيد هواجسهم. وآخرها عن استحداث منطقة خالية على الحدود، مما يستتبع إفراغ القرى المحاذية للخط الأزرق من سكانها، على عمق لا يقل عن خمسة كيلومترات. وهذه التسريبات بالتحديد، لم يأخذها الحدوديون بداية على محمل الجدّ، ولكن تكرار الحديث عنها، جعلهم يميلون إلى تصديقها أو على الأقل النظر اليها بجديّة. وهم بدأوا يرددون أنه إذا كان هناك من صحة لهذه المعلومات، فسيشكل ذلك أقسى ضربة يمكن أن ينالوها، مهما بلغت المغريات التي يمكن أن تقدم لهم.

مواطن من عيترون، أتصل به موقعنا، بعد تحذيرات من احتمال التعرض للقصف وجهت إلى بلدته عن طريق اليونيفيل ، قال " أرسلت اولادي الى المدرسة، وما زلت في بيتي، وقد عطّلت عملي لأكون في حالة استنفار قصوى، واستعداد للتصرف والمغادرة فورا اذا وقع ما تم التحذير منه".

هذه المخاوف الحقيقية، لا تقتصر على فئة دون الأخرى من أبناء المنطقة الحدودية. وهي تصيب الجميع وتؤثر على نمط حياتهم ونشاطاتهم، خاصة أنهم لا يلمسون قدرة كافية  لدى سلطتهم ومسؤوليهم على التحكم بزمام الأمور ، وبالتالي على إنقاذهم مما هم فيه، وهذا ما يزيد من اسوداد  النظرة عندهم.

هكذا يمضي الحدوديون أيامهم في حسابات كل يوم بيومه. فلا أفق عندهم سوى تأمين الضروريات من وسائل العيش. فلا أنشطة إجتماعية أو عمرانية أو ثقافية . والترفيه نوع من كماليات نادرة. انتباههم دائما الى أجسام تحلق في سمائهم. وآذانهم لا تستمع إلا لتفجيرات. وأنظارهم لا تقرأ إلا تحذيرات . وأفكارهم مشلولة إلا لما يمكن أن يحصل لهم في غد قريب أو بعيد . وألسنتهم لا تنطق إلا بالتساؤل : إلى متى ؟.

 

اقرأ المزيد من كتابات بيار حبيب