مدارس المنطقة الحدودية تعاند للبقاء: اقفال وتهجير وغياب وزارة التربية

مجمع للمدارس في ميس الجبل
للعام الدراسي الثالث، تحاول مدارس القرى الحدودية الجنوبية التقاط أنفاسها، والسير أسوة بباقي مدارس لبنان، بعام دراسي طبيعي بحده الأدنى. وتواجه المدارس تحديات إثبات الوجود، كون القطاع التربوي رأس الحربة في العودة الى القرى التي أنهكتها الحرب. وتتنوع صور الإصرار على البقاء بالعودة الى بعض القرى، وذلك بإعادة تأهيل مدارسها، التي سلمت ولو جزئيّا من الدمار، او استحداث منشآت جاهزة ، لتشكل بديلًا عن المدارس المدمرة، إلى احتضان مدارس في قرى مجاورة لأخواتها في القرى الحدودية.
من علما الى رميش : عجز واقفال
نزوح السكان من علما الشعب والقرى المحيطة بها، نتيجة الضربات القاسية التي تلقتها في الحرب، لم يبقِ من سكانها المقيمين سوى ١٥٠ إلى ٢٠٠ شخص . هذا النزوح هدد بإقفال مدارسها. وبحسب رئيس البلدية شادي صيّاح " كان يوجد في البلدة ثلاث مدارس، أقفلت هذه السنة إحداها، وهي المدرسة الرسمية المتوسطة. وبقيت مدرسة الراهبات - العائلة المقدسة ، التي تسجل فيها اولاد المقيمين، وعدد تلاميذها قليل جدا. مما هدد بإقفالها بسبب العجز المالي الكبير. الا أن مساعدات من جهات مانحة، جعلها تستمر". أما عن وضع الثانوية فيشير الى أنها تعاني ايضا من اعداد التلاميذ القليلة، ومن تغيّب معلّميها عن الحضور، بسبب موقع البلدة الجغرافي على الحدود، والبعيد نسبيا عن أمكنة إقامة المعلمين". وناشد رئيس البلدية المعلمين بتقديم التضحيات والمباشرة في الحضور المعتاد لإنقاذ العام الدراسي، ولعدم السماح بنزوح الأهالي عن بلدتهم لتأمين المدارس لأولادهم".
بدورها عُرفت مدارس رميش وعين ابل، أنها تستقبل أعدادا وافرة من أبناء القرى المجاورة، وإن بنسب متفاوتة من مدرسة إلى أخرى. فبعضها فقد اكثر من نصف أعداد تلاميذه، مما تسبب لها بضائقة مالية اضطرت فيه الى الاستغناء عن عدد من المعلمين والعاملين فيها. وهذا ما أكده لموقعنا مدير إحدى هذه المدارس الذي قال لنا أن مدرسته خسرت حوالي ٤٠٠ تلميذ من اصل ٨٠٠ تلميذ. مما اضطره الى الإستغناء عن خدمات ١٥ معلمًا. وقد أبقى على فائض من ثمانية آخرين لأسباب معيشية وإنسانية ." وأشار الى ان " الظروف السائدة جمدت الأنشطة اللاصفية، وأثرت سلبًا على المستوى الأكاديمي، وعلى مشاريع إعداد المعلمين وزيادة قدراتهم ، إذ إن المختصين يمانعون من المجيء الى منطقتنا خشية من الاوضاع الأمنية". ووجه اللوم الى "وزارة التربية ، البعيدة عن الاهتمام بمدارسنا الخاصة وبوضع برامج تربوية خاصة بهذه المنطقة".
بنت جبيل عودة جزئية
ومن المدارس التي عادت اليها الحياة ، مدارس مدينة بنت جبيل . ويشير مدير ثانويتها الرسمية حسين ابو ديب لموقع " كافيين دوت برس" الى ان" نتيجة للأوضاع الأمنية، تراجع في السنتين الماضيتين عدد تلاميذ الثانوية من ٧٠٠ الى ٤٠٠ تلميذ. غير اننا هذه السنة جددنا انطلاقتنا وتجاوز عدد الطلاب المسجلين الى الآن ٥٠٠ ، ولا نزال نستقبل طلابا جددا بعدما قرر ذووهم العودة الى بنت جبيل وقراها. وبفضل توفر التعليم في مدارسنا، أتوقع ان يتجاوز العدد ٦٠٠ تلميذ". وقد وفرت مدارس بنت جبيل المكان لتلاميذ قرى مجاورة دُمّرت ونزح اهلها الى القرى المتاخمة للمنطقة الحدودية، مثل بلدات يارون، ومارون الراس، وحنين، وعيتا الشعب، وميس الجبل".
ويوضح أن "جميع معلمينا قد التحقوا بالثانوية ، كذلك التحق بعض المعلمين من مدارس اخرى دمرت واقفلت بسبب الحرب".
حلول طارئة في ميس الجبل
وأمام إصرار المدراء والمعلمين والأهالي، على التعليم في قراهم، تم في ميس الجبل، استحداث مجمع تربوي كبير، يلبي حاجة البلدة والقرى المحيطة بها من محيبيب، وبليدا، وحولا، ومركبا، ورب تلاتين وطلوسة. وذلك بعدما دُمّرت مدارسها بالكامل .ويلفت مدير ثانوية المربي محمد فلحة الرسمية فرج بدران ، الى ان "الفضل الاول لإنشاء المجمع يعود الى المعلمين الذين اعطتهم وزارة التربية حرية الإلتحاق بمدارس قريبة من أماكن سكنهم. لكنهم أصروا على البقاء في مدارس ميس الجبل، لخدمة أبنائهم العائدين مع أهلهم الى البلدة والقرى المجاورة .لهذا انشىء التجمع بالتعاون بين البلدية، واتحاد بلديات جبل عامل ، ومجلس الجنوب ، وبدعم من فعاليات محلية ، وبالتنسيق مع وزارة التربية ، التي تبنت هذا المشروع ، وتبنت تسميته : المجمع التربوي المؤقت في ميس الجبل ". ويتألف هذا المشروع من ٥٠ غرفة جاهزة ، تضم طلاب الثانوية ، والمدرسة الإبتدائية ، والمعهد الفني. وقد تم تركيز هذه الغرفة على أرض قدمتها البلدية. ويجري العمل حاليا على استكمال الإنشاءات، من تمديدات الطاقة والماء والصرف الصحي ". ومن المتوقع مباشرة التعليم في بداية الاسبوع الثاني من الشهر المقبل. وتجاوز عدد المسجلين في هذا التجمع ٣٠٠ طالبا .
وعن الصعوبات التي تعترض انطلاقتهم ، يشير الى "صعوبة تأمين التجهيزات الاساسية من مقاعد وطاولات وخزائن وقرطاسية. ورفعنا كتابا بهذا الخصوص الى مدير التعليم الثانوي، اضافة الى تأمين النقل للمعلمين الذين يقيمون في النبطية. كذلك تأمين الكتب للتلاميذ ، فالسنة الماضية لم نحصل على اي كتاب من الوزارة ، بينما وُزعت على مختلف المدارس الرسمية في لبنان " مشيرا الى ان البلدية سدّدت رسوم التسجيل عن الطلاب".
مدارس تنتقل وتراجع مستوى الطلاب
بعض القرى شهدت دمارًا تامًا ، كما أن الأوضاع الأمنية لا تزال تمنع سكانها من العودة اليها. لذا تم اعتماد أبنية بديلة لمدارسها في الأمكنة حيث يتواجد القسم الأكبر من نازحيها. وهذا ما حصل مع قرى أم التوت، ويارين، ومروحين، والضهيرة، والبستان، التي دمرت بيوتها ومدارسها كليّا ، فنزح سكانها ، خاصة الى مدينة صور وقراها . مما دفع الى استحداث مدرسة لتلاميذها في الطابق الثالث من مبنى ثانوية صور الرسمية المختلطة .
ويقول مدير ثانوية أم التوت علي عون، الذي انتقل مع كامل جهازه التعليمي الى المبنى المستحدث، " تسجل حتى الآن ٦٢ تلميذا من أصل ١٢١ وبوشر التعليم فيها ". ويشكو من نقص في التجهيزات " رغم أن مدير ثانوية صور ساعدنا كثيرا ولا يزال ، إلا أننا بدأنا " على البلاط "، فقدمت لنا الثانوية مقاعد وطاولات وبعض الأساسيات، ولكننا في حاجة ماسة الى تجهيزات مكتبية وإدارية، وقرطاسية وآلة تصوير ومواد تنظيف. ونواجه مشكلة نقل الطلاب، فهم يقيمون في أماكن متفرقة وبعيدة، وأملنا أن تساعدنا البلديات". ويشير الى صعوبة تربوية تواجهها مختلف المدارس في المنطقة الحدودية، وهي تدني مستوى الطلاب التعليمي، بعد سنتين من التعليم عن بعد، الذي أثبت فشله، ونتيجة الأوضاع النفسية التي عاشها الطلاب، من خوف ، وتشرد ، وخسارة المنازل والمزروعات والأعمال ، وضيق الحالة المعيشية. لهذا فنحن نتعامل معهم بروية وبطء، ونأمل أن نصل إلى المستوى المطلوب هذا العام".
بدورها عيتا الشعب التي كانت تحوي على ثانوية رسمية ، وابتدائية رسمية ، ومعهد فني رسمي ، وثلاث مدارس خاصة، وقد دمرت أسوة بمنازلها، أو تضررت". وكانت تضم حوالي ٢٠٠٠ تلميذ، توزعوا اليوم مع عائلاتهم في أقضية صور وبنت جبيل والنبطية. واستُحدثت المدرسة الإبتدائية الرسمية في غرف في مبنى مدرسة الشهيد مرشد النحاس الرسمية، في بلدة بدياس القريبة من مدينة صور. ويوضح مدير المدرسة مرتضى طحيني ، " أن بلدية بدياس امنّت المبنى ووفرت رسوم التسجيل للطلاب الذين بلغ عددهم ١٣٠ طالبًا. وتكفل رجل أعمال من بلدة بدياس بتأمين لوازم القرطاسية والنقل لمدة عشرة أشهر." والصعوبات هي نفسها في كل المدراس فنحن بدأنا " باللحم الحي"، ونواجه مشكلات تربوية نتيجة انقطاع التعليم الحضوري لسنتين متواليتين، ومشكلات نفسية عند التلاميذ والأهالي ، مما يقتضي على وزارة التربية وضع خطة مدروسة للتعافي .
وفي ما خص ثانوية عيتا الرسمية ، فقد نقلت الى مبنى " جامعة المدينة " في البرج الشمالي المجاور لمدينة صور، بتقدمة من صاحب الجامعة الدكتور أحمد دكور، وتضم الى الآن ١٢٠ طالبا . كما تم في ذات المبنى الجامعي ، تقديم غرف لمدرسة راميا الرسمية، ونقل معهد عيتا الفني الى مبنى معهد شهداء قانا.
وزارة التربية غائبة
لا شك في أن جهودا كبيرة تضافرت لإنقاذ العام الدراسي لأبناء المنطقة الحدودية، ونجحت إلى حدّ كبير في ذلك . ويبقى أن لا تكتفي وزارة التربية بالدعم المعنوي، بل بمبادرات مادية وتربوية، على حدّ ما طالب بها جميع مدراء المدارس ، متسائلين" لم لا تقوم وزيرة التربية ريما كرامي بزيارة إلى مدارسنا، للإطلاع عن كثب على حاجات المدارس والطلاب فيها".