زراعة الزيتون في الجنوب انهكتها الحرب حرائق واقتلاع الاف الاشجار

تفقد حقول الزيتون مع اليونيفيل
شكّلت شجرة الزيتون مع شتلة التبغ، عماد الإنتاج الزراعي لدى مزارعي المنطقة الحدودية. إلى أن وقعت فريسة حرب السنتين الماضيتين، فألحقت بها خسائر جسيمة، لن تعوّض في سنوات قليلة.
قبل نهاية القرن الماضي، كان الزيتون في غالبية القرى الجنوبية، من الناقورة ساحلًا، إلى مرجعيون شرقا، يعتبر مادة " مونة منزلية ". فقد عمد الأهالي إلى زراعته للحاجة المنزلية، باستثناء عدد قليل منهم .وبين عامي ١٩٨٦ و ١٩٩٢، تدنت أسعار التبغ كثيرًا، وتكدست المواسم في المنازل. فتوقف القسم الأكبر من المزارعين عن زراعته، واتجهوا إلى زراعات بديلة. وأهم تلك الزراعات جاءت زراعة الزيتون، الأكثر أمانا وتحملا للظروف المناخية، وخاصة الجفاف، ويمكن تصريف إنتاجه في المدن .
وهكذا انتقلت زراعته من حاجة منزلية، إلى مادة تسويقية رئيسية، وخاصة أن وتيرة زراعته ظلت على ارتفاعها الى ما قبل الحرب الأخيرة. حتى أنه من النادر وجود عائلة واحدة لا تملك كرما واحدا، على الأقل، من الزيتون.
شجرة الزيتون فريسة الحرب
كان للحرب تأثيرات مدمرة مباشرة، وأخرى غير مباشرة على حقول الزيتون.
فآلة الحرب أحرقت أو اقتلعت عشرات الآلاف من النصوب في جميع القرى المحاذية للحدود. من الناقورة، الى علما الشعب، ويارين، ومروحين، والضهيرة، والبستان، وراميا، وعيتا الشعب، والقوزح، ورميش، ويارون، ومارون الراس، وعيترون، وبليدا، وميس الجبل، وحولا، ومركبا، وعديسة، وكفركلا، ودير ميماس، وغيرها.
ففي رميش يقول المزارع جورج خوري لـ"كافيين دوت برس" ، أنه احترق لديه ما يزيد عن الف شجرة زيتون، ومثلها من الصنوبر والخروب. وقد تجاوز عمرها ١٥ عاما، فأصبحت في " عز عطائها ". وهو إلى الآن لا يستطيع تفقد مزروعاته المتبقية القريبة من الحدود .أما المزارع رضا منصوري من عيترون ، فقد اشار الى" أن قسما كبيرا من زيتون قريته قد أتلف، وقسم آخر لا يستطيع المزارعون تفقده لأسباب أمنية. وهذه الخسائر هي أكبر في القرى المجاورة كما في يارون ومارون الراس وبليدا وميس الجبل ... إذ يمكن القول أن كروم الزيتون تكاد أن تكون قد أزيلت تماما .وهذا ما حصل في قرية القوزح الصغيرة. إذ أكد لنا وسام أبو الياس ، وهو من أبنائها، أن قريته خسرت جميع أشجارها من الزيتون. ويقدر عددها ب ٣٠٠٠ شجرة. ولم يبق للضيعة إلا نصوب متفرقة مجاورة للمنازل.
ووجه آخر للخسائر، تمثل في أن أهالي القرى الحدودية، لم يستطيعوا جني محصولهم، مما تبقى من نصوب، في السنتين الماضيتين، كما لم يستطيعوا الإعتناء بها من حرث وريّ، وتشحيل وتسميد، ومكافحة الأمراض . وهذا أثرّ على نموّ الاشجار، وهناك تخوف من أن يستمر هذا التأثير للسنة المقبلة ايضا، كما يتخوف المزارع من عين ابل إيلي اللوس ، الذي قال " أمتلك حقلًا يحتوي على ٣٠٠ زيتونة. خسرت موسمين إلى الآن، لأنني لم استطع التوجه اليها للظروف الأمنية. وفي كل سنة كان محصولي من الزيت يتراوح بين ١٢٠ إلى ١٥٠ صفيحة زيت. وهذه السنة لا موسم . وأتوقع أن تكون السنة المقبلة سيئة أيضا لأني لم أستطع في هاتين السنتين الإعتناء بالنصوب كما كنت أفعل سابقا".
من جهته يقول رئيس بلدية دير ميماس سهيل ابو جمرة "يعتبر زيت الزيتون موردا رئيسيّا لأهالي القرية التي تملك ما يزيد على مئة الف نصبة. لم يتم جني محصولها بالشكل المناسب في السنتين الماضيتين. كما اقتلعت واحترقت حوالي ١٥٠٠ شجرة ، وهي من الأشجار المعمرة. وإنتاج هذه السنة متدنٍ كثيرا ، ومن المتوقع أن يكون ٥ بالمئة فقط".
ولعل بلدية علما الشعب هي الوحيدة التي استطاعت إلى الأن إجراء مسح دقيق للأضرار الزراعية . ويقول مختارها الياس زعرب موسى " أن عدد أشجار الزيتون في بلدته يبلغ حوالي ٢٣٠٠٠ شجرة . تتراوح أعمارها ما بين عشرة و ٣٠٠ عاما . وقد جُرف منها ١٨١٤، واحترق ٧٣٢ . وهناك ١٠٤ كروم، لا يستطيع أصحابها تفقدها إلى الآن لكونها تقع في مناطق أمنية محظورة . وهكذا تكون علما الشعب قد خسرت في كل موسم، على مدى ثلاث سنوات : حوالي ٤٠٠٠ صفيحة زيت ، و ٥٥٠٠ كلغ من الحب المعدّ غالبيته للبيع . ويتراوح سعر الزيتونة المعمرة ، التي يزيد عمرها عن ١٠٠ عام ما بين ٣٠٠٠ و ٥٠٠٠ دولار".
قطاع ساهم في تأمين فرص عمل
وكان قطاف الزيتون قد بدأ في تأمين فرص عمل لعشرات من الشبان من أهالي القرى ، الذين ألفوا جماعات متعاونة بديلا للأيدي العاملة غير اللبنانية". جوني توما من بلدة رميش ، يدير إحدى هذه المجموعات ذكر لموقعنا أنه بدأ في هذا العمل منذ ثلاث سنوات، ووصل عدد أفراد مجموعته إلى ٢٥ شخصًا، غالبيتهم من افراد القوى الأمنية الذين أخذوا أذونات من قياداتهم. وهذا العمل ، مع غيره من الأعمال الزراعية ، يدعم رواتبهم ، ويساعدهم على الصمود في قراهم ."لكن توما يتأسف أن لا موسم هذه السنة، وقد فقد هؤلاء الشباب مورد رزق لهم".
زيت الجنوب ، جودة أهلّته للتصدير
عدد كبير من معاصر الزيتون في القرى الحدودية قد دمّر ، أو لحقت به أضرار جعلته خارج الخدمة. ومن بين المعاصر التي تتهيأ لاستقبال انتاج المزارعين ، مزرعة العين في عين إبل ، ويتوقع المسؤول عنها روجيه حداد ، الذي يملك خبرة واسعة في مجال الزيتون "أن يشهد هذا القطاع تدنيا حادا ، هذه السنة ، في الإنتاج.ويشيد بنوعية الزيت المنتجة محليا " نجري سنويا فحوصات مخبرية لزيتنا ، ودائما تأتي مواصفاته موافقة لأفضل معايير زيت الزيتون. فكلما كانت مادة polyphénol أعلى من درجة ٨٩٠ ، يكون زيت الزيتون بنوعية جيدة، ونحن نتخطى دائما هذه الدرجة. فهو يصلح كي يباع في الصيدليات كزيت طبي ".
وعن تأثير مخلفات الحرب من القنابل وخاصة الفوسفورية منها ، يؤكد حداد أن لا أثر سلبيًا على الزيت " فقد أجرينا اختبارا دقيقًا له في السنة الماضية. كما قامت الوحدة الإسبانية بإجراء هذه الفحوصات، وأكدت خلوها من أي ضرر".
وأشار حداد إلى أنه في السنوات الماضية بدأ تصدير مئات صفائح الزيت إلى بريطانيا والدول الأميركية، وشق الزيت له سوقًا لجودته المرتفعة".
وأشار رئيس بلدية دير ميماس إلى أن كمية من زيت بلدته كان قد وجدت سوقا لها في أوروبا وكندا والولايات المتحدة، وإلى أن هذا الزيت قد نال جوائز تقديرية في معارض دولية".
شجرة الزيتون في القرى الحدودية ، تنتظر مع مالكها الفرج، لتجدد شبابها، علها تجد رعاية من الدولة، وخاصة من وزارتها المعنية. هذه الرعاية التي طالما كانت غائبة عنهم.