قانون إستقلالية القضاء امام مجلس النواب لتُعاد مناقشته من جديد

مع ردّ رئيس الجمهورية جوزف عون قانون تنظيم القضاء العدلي (قانون استقلالية القضاء) الى مجلس النواب عبر مجلس الوزراء عملاً بالمادة ٥٧ في الدستور يفترض ان تعاد مناقشته لأنه بحسب هذه المادة " لا يجوز ان يُرفض طلبه (..) إلى ان يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالغالبية المطلقة" من النواب وهي ٦٥ صوتاً. ولا تستبعد مصادر مطلعة أن تعاد مناقشته طبقاً للقانون تمهيداً لإقراره من جديد.
واجه قانون إستقلال السلطة القضائية إنقسامًا في الرأي بين مؤيد ومُعارض له. وأبرز ما توقف عنده المؤيدون لهذا القانون هو إعتبارهم أنه يشكل خطوة على طريق الاستقلال التام، ورهن ما ستُبينه عملية تطبيقه من شوائب ستكون قابلة للتعديل والتطوير مع الوقت. مثلما يرون انه أعطى استقلالية في جانب ما لحَظه من تعديل لجهة إنتخاب أو تعيين ستة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، بعدما كانت السلطة السياسية تتولى تعيين خمسة أعضاء في مقابل إنتخاب عضوين من قضاة محكمة التمييز. كما يعتبرون ان هذا القانون أعطى إمتيازاً في إقرار التشكيلات القضائية وحصرها بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى وإقرارها بأكثرية أعضاء المجلس في حال تباين الرأي بين الطرفين . وباتت تالياً ملزمة للسلطة التنفيذية، بعدما كان يخضع إقرار هذه التشكيلات لإرادة السلطة السياسية على مَر الزمن . وكثيرًا ما تعطّل إقرارها لأسباب سياسية، وآخرها عدم توقيعها من الرئيس ميشال عون خلال ولايته عام ٢٠١٧. وكذلك سقوط التشكيلات الجزئية لعدم توقيعها من وزير المال السابق يوسف خليل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ما أدخل القضاء في متاهة الإنتدابات لسد الشغور تأميناً لاستمرارية المرفق القضائي، وتعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
واولى ردود الفعل على قانون استقلال السلطة القضائية ،الذي أقره مجلس النواب في آخر تموز الماضي، كان من نادي القضاة الذي أبدى تحفظًا شديدًا حياله ، عندما إعتبر أنه يعزز النفوذ السياسي ويكرس الطائفية، فيما النادي يتطلع الى تكريس استقلالية هذه السلطة على غرار الدول المتقدمة . ثم كتب النادي الى رئيس الجمهورية مطالباً بممارسة صلاحياته الدستورية كون هذا القانون "يتضمن مخالفات دستورية واضحة"و"تناقضاً بين مواده يمس باستقلالية القضاء والقضاة".
وعن ملاحظاته الإعتراضية عليه ساقها النادي في مؤتمر صحافي عقده إثر صدوره، آخذاً على السلطة السياسية استمرار سيطرتها على تكوين المجلس الأعلى للقضاء، والتعذر تاليًا في تحقق الأغلبية المطلوبة للتأكيد على التشكيلات القضائية في حال اعترض وزير العدل عليها، وتقويض استقلاليتهم الداخلية. كذلك إعترضوا على استمرار تطبيق قانون الموظفين على القضاة،وعدم تحقيق استقلاليتهم المالية والإدارية،منتقدين إقرار هذا القانون في مجلس النواب بسرعة وبمادة وحيدة من دون أي مناقشة لمواده ما يخالف أصول التشريع، رغم أن بدء سريانه في الأول من كانون الثاني.
يلحظ قانون تنظيم القضاء العدلي الذي لا يزال ساريًا ثلاثة أعضاء حكميين في مجلس القضاء رئيسه القاضي سهيل عبود (ماروني)، والنائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار ورئيس التفتيش القضائي القاضي أيمن عويدات (سنيان). وزاد القانون الجديد عضواً حكميًا رابعًا رئيس معهد الدروس القضائية (شيعي)، تعينهم السلطة السياسية. وقبل شهرين من انتهاء ولاية أي من الأعضاء الحكميين المحددة بخمس سنوات غير قابلة للتجديد أو التمديد يقترح المجلس ثلاثة أسماء لتختار الحكومة إسمًا منهم خلفًا للذي ستنتهي ولايته.
وترى اوساط القضاة والمحامين ان هذا التوجه من شأنه الإخلال بالتوازن والمناصفة المنصوص عليهما في المادة ٩٥ في الدستور وتكريس الطائفية في القضاء. . وإذ إعتبرت في الوقت نفسه ان "هدف جعل الأعضاء الحكميين أربعة ضمان مصالح إحدى الطوائف، تعتبر ان هذا الأمر سيزيد من تدخل السلطة السياسية في القضاء، فيما كان نادي القضاة يطالب بانتخاب جميع اعضاء المجلس من أهله فحسب.
وتذهب هذه الأوساط الى تأييد توسيع حلبة المجلس لتضم إلى القضاة، إختيار إختصاصيين في مجالات علمية متفرقة.
وبدوره تحفظ مجلس القضاء، وهو رأس السلطة القضائية، على القانون "لتَضمنه نصوصًا لا تتوافق مع ما هو مأمول ومطلوب بهدف ترسيخ الاستقلالية الفعلية للسلطة القضائية وتأمين حسن سير العمل القضائي، لاسيما في ضؤ ملاحظات مجلس القضاء الأعلى المتكررة في هذا الصدد"، لافتًا الى ان "بعض مواده لا تزال تكرس تبعية القضاء للسلطة السياسية".
وتبعاً للمعطيات فإن هذه الملاحظات تتمحور حول الآلية المستحدثة لتشكيل المجلس، وفتح باب الطعن بقراراته أمام مجلس شورى الدولة ، الى ملاحظات تتصل بالتفتيش القضائي ومعهد الدروس القضائية.
وإستوقفت الأوساط ذاتها صلاحية النائب العام التمييزي بطلب وقف التعقبات بدعوى عامة قيد النظر بقرار خطي ومعلل. ولهذا الحق إيجابياته عندما تتصل الدعوى العامة بمصلحة الدولة العليا فحسب. اما التوسع في تفسير هذه الصلاحية فيمكن ان تشكل سلطة شخصية.
وبالانتقال الى معهد الدروس القضائية إستغربت لحْظ هذا القانون إحداث مركز إضافي لمدير المعهد حيث بات مديران لمعهد تدرج قضاة لم يتجاوز عددهم ٤٠ قاضياً في الدفعة الواحدة، ونادراً ما يشهد مباراة سنوية للدخول إليه.
وفي المحصلة من واجب القاضي ان يكون مستقلاً ويرعاه قانوناً يحصن استقلاليته المادية والمعنوية، مع إعتباره في الوقت نفسه أنه موظف عام في خدمة العدالة والمواطن وإيصاله إلى حقوقه في مهلة معقولة للفصل في الدعوى وإصدار الأحكام وأن ثمة جهازا" يراقب عمله هو التفتيش القضائي فحسب.