الأنظار تتجه إلى موقع القاضي شعيتو مدعياً عاماً مالياً في فترة عامة حساسة

الأنظار تتجه إلى موقع القاضي شعيتو مدعياً عاماً مالياً في فترة عامة حساسة

القاضي شعيتو

عندما صدر مرسوم  تعيين القاضي ماهر شعيتو مدعياً عاماً ماليًا جاء الرجل المناسب لهذا المركز الحساس في القضاء على أهمية الأسماء التي كانت مرشحة إليه.

تحمل جعبة القاضي شعيتو مخزوناً كبيراً  من العلم والجهد والخبرة في المجال الجزائي. تكدست على مر الأعوام في مسيرته القضائية، وصقلت أكثر فأكثر شخصيته القضائية أكثر فأكثر وهو يتنقل من مركز إلى آخر . وفي كل منها تحمل مسؤولية إنصاف المدعي وإستعادة حقوقه ، وكذلك إنصاف المدعى عليه في حالة ثبوت التجني ، تماماً كمسؤولية أمره بالتوقيف وحجز الحرية وهو محامي عام إستئنافي في جبل لبنان.

حصد ابن دير انطار الجنوبية كل مدخرات ما يكتنزه المرء من خصال البلدة وطيبة الأهل، وذكريات بيت ذويه حيث دأبت  العائلة على قصدها  خلال ايام العطلة ومنها تلك الصيفية،  تلبية لنداء  الأرض وصفاء  تلال تلك البلدة الخضراء الجميلة التي طالما عكّرت صفوها الاعتداءات الإسرائيلية ، وحملت الأسرة تكراراً على العودة الى منزلها  في بيروت حيث كان الأبناء يتابعون التحصيل المدرسي ثم الجامعي،  إلى ان تخرج القاضي شعيتو مجازا" في الحقوق واكتشف عالم القانون وأفقه الواسع ونظرياته المشفوعة بعلم المنطق وقواعده. بعد تخرجه إنتسب مباشرة الى معهد الدروس القضائية حيث كان الأصغر سناً في دورته وفي عداد متصدريها عند إنتهائها.

عادة يتأثر المرء بأول مركز يتبوأه . والنائب العام المالي قبل ان ينبري قلمه إلى تسطير الإدعاء العام ، عُيّن قاضي حكم.وولج الحياة العملية مباشرة بعد تلك النظرية، وتسلم المطرقة على قوس المحكمة وأصدر الأحكام كقاضي منفرد جزائي خلال فترة تنقله بين دور العدل من دير القمر إلى الدامور فبيروت، يبت الملفات من دون أن يفقه لأسماء المدعين أو المدعى عليهم أياً كان . هو مبدأه في إحقاق الحق  والعدالة بشفافية وتطبيق القانون. هكذا يصفه عارفوه ومن واكبوا مسيرته عندما أصدر سيلاً متواصلاً من الأحكام بإسم الشعب اللبناني. لقد واكبته هذه العبارة الرحبة، والواسعة النطاق في المضمون والمعاني لهدف اسمى في إعطاء الحق إلى صاحبه.

وتوازي المسؤولية في ذلك الموقع تلك التي عايشها في رحاب النيابة العامة عندما عُين القاضي شعيتو محامياً عاماً إستئنافياً في جبل لبنان حيث كان لإعطاء إشارته إلى الضابطة العدلية بالتوقيف مسؤولية أخرى، لا تقل أهمية عن مسؤولية قاضي الحكم. فهو مثّل الحق العام في كل أنواع الملفات التي عالجها ، جنائية كانت أو جنحية،  لتكون المنطلق في التحقيق أولياً، ثم تنتقل عبره إلى قاضي الظن، فالهيئة الإتهامية، وصولاً إلى مرحلة المحاكمة على درجتين إستئنافاً أو تمييزاً. ويتوقف على ورقة الطلب التي تتضمن الإدعاء العام من المحامي العام الإستئنافي مصير الموقوف او الموقوفين في الخطوات اللاحقة  أمام القضاء بعد إحتجازهم من القوى الأمنية بناء لإشارته وتقرير مصيرهم.

لقد أحاط القاضي شعيتو من هذين الموقعين بمسار الدعاوى من كل جوانبها، إنطلاقاً من دوره في  الدعوى العامة كطرف بصفته يمثل الحق العام فيها، وإتباعه أصول التوقيفات بعد قاضي الحكم ،ما مهّد  الطريق أمامه لتبوء  مركز الهيئة الإتهامية في بيروت حيث مارس ما إكتسبه من تجربته في الملف من كل زواياه، إضافة إلى بصمته الشخصية. فما تميّز به عندما شغل هذا المركز هو التبصر القانوني الثاقب لدى إصدار الهيئة قراراتها، فتؤيد أحياناً منحى النيابة العامة وقضاء التحقيق، وأحياناً أخرى تناقض مذهبهما  فيحوّل القاضي شعيتو الجناية إلى جنحة او يصوب ما يرتأيه من عدم وجوب إتخاذ تدبير ما او عدم اللجوء الى التوقيف او رفعه الشدة في المكان الخطأ. وكان للقاضي شعيتو الجرأة الكافية لتبرئة متهم وإسقاط الملاحقة عنه مدركاً بحسه القانوني مسبقاً ، مآل مسار الدعوى كون ملف هذا المتهم او ذاك  سيصل إلى النتيجة التي توصل هو إليها، وذلك  بدل أن يطيل أمد توقيفهما ريثما تجري محاكمتهما امام محكمة الجنايات لتنتهي بالقرار الذي إتخذه، وكذلك بالنسبة إلى تقريره تخلية موقوفين عند الاقتضاء. 

في الظروف العادية يُعد دور الهيئة الإتهامية الأصعب. أما عبارة الظروف الصعبة  فتنطبق اليوم على النيابة العامة المالية التي ترأسها القاضي شعيتو حديثاً ، كون الأنظار تنصب على هذه الدائرة . هي تحت المجهر. وجاءت ردود الفعل في أعقاب تعيينه نظراً الى الملفات الحساسة والدقيقة التي يمكن ان تشهدها دائرته ، ولم تكن، بحسب المراقبين، تستهدف شخص المدعي العام المالي شعيتو، الذي تغلب على طبيعته المرونة والهدوء والشفافية ولادراكه ، بحسب ما نُقل عنه، ان طريقة عمله ستُبين كل شيء وستجيب وحدها عن ذلك. وكانت رسالة القاضي شعيتو واضحة من خلال تعاطيه مع ملفي ضبط الأمن العام عبور معدات من دون تخليص جمركي وأدوية مهربة عبر مرفأ طرابلس وإحالة المضبوط مع عدد من الموقوفين فيهما على قضاء التحقيق في الشمال.

دخل النائب العام المالي في تحد جديد. فالملفات التي سيخوضها تتصل بفساد من تبييض أموال وإثراء غير مشروع وغيرهما. وعلى عادته، وفق عارفيه، هو سار على خطى تطبيق القانون على الجميع من دون تمييز وأقرن ذلك بعامل الثقة في محيطه. هي خطى مكتوبة  على جبينه وسبقته في التعريف عنه. والرهان على النجاح أيضاً في هذا التحدي الشائك.

اقرأ المزيد من كتابات كلوديت سركيس