ثقة حزب الله بعون مفاوضًا لا تلغي التحفظات

ثقة حزب الله بعون مفاوضًا  لا تلغي التحفظات

يقول احد السياسيين ان رئيس الجمهورية جوزف عون، وبعد التطور الذي حصل على خط سوريا والولايات المتحدة، ابلغ الوسطاء الاميركيين انه مستعد للتفاوض غير المباشر مع اسرائيل، لكنه يحتاج الى بعض الوقت ليتمكن من تمرير الفكرة في لبنان. حدث ذلك قبل توّسع معالم التهدئة التي اقرّتها خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب واسفرت عن اتفاق وقف النار في غزة.

قد لا يكون نوع التفاوض او الوقت الذي يطلبه  عون، هما نفسهما اللذين يطلبهما الاسرائيليون. لان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ الاميركيين بدوره ان الوقت لم يعد مفتوحًا امام لبنان، قبل ان يستعيد حزب الله قوته جنوب الليطاني وشماله. ولهذه الغاية يكثّف الجيش الاسرائيلي ضرباته في الجنوب، ولا يبدو انه في وارد التوقف عن ذلك، لا سيما بعد اتفاق غزة، كي لا يربط لبنان وقف النار فيها بالتهدئة جنوبًا. اما عن نوع التفاوض فهو يحمل التباسات كذلك.

ما يريده رئيس الجمهورية هو ربح المزيد من الوقت، قبل ان يباشر اي تفاوض غير مباشر مع اسرائيل على مثال ما حصل في الترسيم البحري وحصره بالاطار العسكري. لكن كلا الامرين مختلفان تمامًا. 

لا يتعاطى حزب الله مع عون كطارح لفكرة الترسيم، بالحذر ذاته، الذي كان يمكن ان يتّسم به، لو كان على سدّة الرئاسة شخصية اخرى غير الرئيس الحالي. نظرة عون الى حزب الله واسرائيل، والاتفاقات التي سبقت انتخابه تطمئن الحزب، ولا تضع رئيس الجمهورية وفق ذلك في خانة معادية، كما لو كان شخصية اقرب الى خط 14 آذار. فهو مرتاح اليه والى فريقه الاستشاري الوسيط معه، كما هو مرتاح لاداء الجيش ولأي مفاوضين عسكريين سيكونون من ضمن الفريق المفاوض. 

ومع ذلك فان فكرة التفاوض في حدّ ذاتها لا تشبه بظروفها وحيثياتها التفاوض حول الترسيم البحري. حينها وفي ظل وجود العرّاب الرئيس نبيه بري، كان حزب الله بشخص امينه العام الراحل السيد حسن نصرالله في قلب الحدث. وكان الحزب يهدّد اسرائيل بضرب منشآتها البحرية ان تعرّضت آبار لبنان النفطية لأي خطر. وضع حزب الله اليوم مختلف عسكريًّا، وانحسار وجوده جنوبًا، عطفًا على اتفاق وقف النار يعطي لفكرة التفاوض معنًى آخر. 

كذلك كان الترسيم البحري محددًا بالزمان والمكان، في حين ان التفاوض اليوم لا يزال فكرة مبهمة بالمطلق، غير واضحة. لانها لم تحدد بعد ترتيب الاولويات واي بند سيسبق الآخر. فاذا كانت اجتماعات الناقورة التي تتم باشراف اميركي غير كافية، ولم تلتزم اسرائيل بوقف النار وتستمر بعملياتها، وباتت مطالبها اوسع من الاتفاق الذي حصل قبل نحو سنة، فهذا يطرح السؤال اذا كان المطلوب الانتقال من مرحلة امنية عسكرية الى مرحلة اقرب الى السياسية، ولا تزال غير مكشوفة بالكامل؟ وماذا سيكون عليه موقف الرئاسة والحكومة تبعًا لذلك، اذا اتضحت اي خلفيات اخرى تتعدى الاطار العسكري البحت. لان التشدد الاسرائيليّ والاميركي الذي عبّر عنه الموفدون الاميركيون في اكثر من لقاء وفي مقترحات واضحة، لا يوحي بان التفاوض محصور فحسب في بنود عسكرية رغم ظاهرها التقني.

ما يحصل في سوريا ومن ثم اتفاق غزة، يعطي لأي تفاوض بين لبنان واسرائيل، بصورة غير مباشرة، بعدًا آخر في هذا التوقيت. ورغم ان لبنان الرسمي متحفظ للغاية عن اي قراءة مختلفة لتفاوض بغير وجهته العسكرية، الا ان الضغوط قد تخفي في طياتها الكثير من التفاصيل المطلوبة اسرائيليًّا واميركيًّا. وحينها سيكون حزب الله امام واقع جديد. لكن قبله سيكون  رئيس الجمهورية والحكومة امام واقع حصول متغيّر كبير، وحتى الان يرتاح الحزب الى انهما لن يقوما باي مغامرة من هذا النوع.


 

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي