خطة الجيش لجمع السلاح محكومة بالاستقرار وليس المواجهة

ما سمعه الوفد الأمِيركي الذي زار الجنوب أخيرًا هو نفسه ما سمعه مسؤولون أمِيركيون وأوروبيون كانوا على تواصل مع الجيش لمناقشة الوضع في الجنوب وتطبيق اتفاق وقف النار الذي أُبرم في تشرين الثاني 2024.
ثمانية أشهر مضت، والجيش، بحسب المعلومات، ينفذ تمامًا وقف النار ميدانيًا، وفق المطلوب منه في مهمات معروفة بكليّتها بحسب الاتفاق، حين أن إسرائيل لم تلتزمه بل توسع تمددها في المناطق التي تحتلها.
لكن المشكلة الأساسية أن لبنان، بحسب المعطيات، "لم ينجح في تسويق المنجزات التي تحققت جنوبًا، فلم يُظهر أمام الدول المعنية والرأي العام نوعية العمليات التي نُفذت"، والكلام هنا طبعًا ينحصر في قطاع جنوب الليطاني؛ لأن المطلوب هو تنفيذ الاتفاق الذي وافقت عليه جميع القوى السياسية.
الجيش بدأ عملياته بخطوات مدروسة، آخذًا في الاعتبار انعكاس الحرب على البيئة التي ينفذ فيها عملياته، لجهة حجم الخسائر البشرية التي أصابت أبناء الجنوب وحزب الله، والخسائر المادية والأضرار الفادحة في الممتلكات والأراضي، ما يفترض التقدم تدريجيًا في تنفيذ العمليات، والتي نجحت حتى الآن بنسب عالية جدًا.
العمليات التي نفذها الجيش لم تكن بطبيعة الحال وفق لوائح وتعليمات محددة بدهم أو متابعة مخازن أو أنفاق، بل كانت تتعلق بمصادرة الأسلحة والذخائر، مع ملاحظة تضرر أجزاء كبيرة منها، ونقلها إلى قيادة الجيش، مع نفي مطلق أن يكون أي فريق أو جهة خارجية قد اطلعت على الكميات المصادَرة. وقد تكون المنطقة الممتدة من البياضة وصولًا إلى زبقين وطيرحرفا المليئة بالوديان هي البقعة التي عمل الجيش فيها أكثر من غيرها، نظرًا إلى طبيعتها وموقعها القتالي كخط دفاع أول.
ما تحقق حتى الآن يقارب 80 في المئة من المهمة، بظروف صعبة نظرًا إلى افتقار الجيش إلى التمويل والأجهزة المناسبة والعديد الكافي. ومع ذلك، ورغم أخطاء بشرية وقعت، إلا أن الجيش، وهذا ما ظهر للدول المعنية، قام بكل ما يتعلق به من الاتفاق المبرم.
أما الخطة الكبرى لجمع السلاح، فهذه لها قصة أخرى.
ما طلبته الحكومة من الجيش أمر مختلف تمامًا، فالواقعية تفرض التعامل معه من منظار مختلف عما يحصل جنوب الليطاني لعدة معطيات؛ إذ إن الجيش يريد قرارًا سياسيًا واضحًا من الحكومة مجتمعة، وبقدر ما يريد بسط سلطته كاملة على الأراضي اللبنانية، فإنه لا يريد أن يشتبك مع أي مكوّن لبناني، من دون الأخذ في الاعتبار الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والتحديات الحدودية من الشمال إلى البقاع، وكذلك الأمر التهديدات الإرهابية التي لا تزال قائمة. ووفقًا لذلك، فإن خطة الجيش ستكون تحت سقف الاستقرار وعدم المساس بالسلم الأهلي، مع سؤال واقعي: هل المطلوب تحويل لبنان كله منطقة خالية من السلاح أم فقط السلاح الذي يهدد إسرائيل؟ وهل المطلوب وضع الجيش في مواجهة فريق ما، علمًا بأن الرئيس نبيه بري كان واضحًا في موقفه لجهة الوقوف إلى جانب الجيش، موجهًا رسالة واضحة حول الدور المفترض أن يقوم به الجيش.
في الأيام الأخيرة، تكثفت الاجتماعات في قيادة الجيش بعدما كانت بدأت الاتصالات والمشاورات لحظة قرار الحكومة، وهو يضع خطة بالمعنى الشامل تأخذ في الاعتبار كل المعوقات والمطالب والتحديات والأخطار، بمشاركة فريق موسع من الضباط من مختلف المستويات ينتمون إلى جميع أركان الجيش، بإشراف مباشر من قائد الجيش العماد رودولف هيكل.
وفي السير نحو الخطة، ثمة ملاحظات عدة ليست كلها عسكرية، يفترض الأخذ بها عمليًا قبل الكلام عن القرار السياسي الذي يتوقع أن يظلل تنفيذ الخطة. ومن بين هذه الملاحظات التي سبق أن نوقشت مع الجهات الخارجية والأميركية تحديدًا :
أولاً، القدرة العملياتية للجيش: ما هي قدرة الجيش على السير بخطة شاملة، وفق الحجم الحالي للقطع والألوية؟ وجزء أساسي منها منتشر حاليًا في الجنوب، فكيف ستكون للجيش القدرة العملية على الانتشار الواسع في وقت يحتاج فيه إلى مزيد من الألوية والقطع لتغطية المهمات الجديدة؟ ومن أين سيسحب قوات عسكرية؟ من بيروت أم من طرابلس أم من البقاع الشمالي؟ وكيف يمكن حتى تأمين الحد الأدنى من الآليات بما في ذلك شاحنات نقل السلاح وهي في معظمها غير متوفرة، ناهيك بقطع المؤازرة والآليات العسكرية المطلوبة، وخبراء التفجير والاختصاصيين المعنيين المنصرفين حاليًا إلى مهام جنوبية؟
ثانيًا، التمويل: ما حصل عليه الجيش هو وعود أميركية بمساعدات تأتي من أكثر من دولة عربية وغربية لتغطية نفقات الخطة، ولكن حتى اليوم لم يصل إلى الجيش ما يكفي لا لتطويع ستة آلاف عسكري، ولا لتأمين الجهوزية العسكرية لتنفيذ أي انتشار واسع بالحد الأدنى. وكيف يمكن تنفيذ خطة بهذا الحجم مع كل الضغط المحتمل، ورواتب العسكريين والضباط لا تزال متدنية ولا تكفي لتغطية نفقاتهم الشهرية؟
ثالثاً، دور الأجهزة الأمنية الأخرى: ما هو دور الأجهزة الأمنية الأخرى في مواكبة الخطة المفترضة؟ وكيف يمكن تحميل الجيش مسؤولية أمنية واسعة من دون أن يكون للقوى الأمنية الأخرى أي دور في تغطية الأمن الداخلي وما يمكن أن يترتب عن انسحاب قوى عسكرية من منطقة إلى أخرى؟
رابعًا، مدة الخطة الأمنية: أي تاريخ البدء بها وتاريخ انتهائها. إذ طرحت أفكار عدة، من بعضها سياسي وبعضها عملي؛ السياسي يتعلق بقدرة مجلس الوزراء على تغطية القرار أو تحويله على المجلس الأعلى للدفاع الذي يعيده إلى مجلس الوزراء، مع احتمال إدخال مجلس النواب على خطها. أما في الجانب العملي، فلا يمكن التعامل مع الخطة على أنها تبدأ في أيلول وتنتهي في أيلول، بل يفترض أن تمتد على مراحل تدريجية، تأخذ في الاعتبار كل ما سبق قوله وما يمكن أن يصدر عن القوى السياسية من ملاحظات.