الجيش بين مساعدات قطر والسعودية

الجيش بين مساعدات قطر والسعودية

الجيش بين مساعدات قطر والسعودية

تدخل السعودية بقوة إلى الساحة السورية، عبر خطوط سياسية واقتصادية وأمنية متعددة، محاصرةً أي أدوار محتملة لكل من قطر وتركيا. في لبنان، لطالما كان الدور السعودي تقليديًا، حتى السنوات الأخيرة، وتعامل معه اللبنانيون من منظورَين متناقضَين تمامًا: بين حلفاء يرون فيه داعمًا ماليًا ساهم في إعمار لبنان والحفاظ على مكوّناته خلال الحرب من دون الاصطفاف مع فريق ضد آخر، وبين خصوم يتهمونه بالتأثير السلبي، لا سيما في ذروة الصراع السني-الشيعي في المنطقة.

هدأت الأمور مع ترتيب العلاقة السعودية-الإيرانية. لكن لاحقًا، مع اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة، التي امتدت إلى لبنان، وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أصبحت قراءة الموقف السعودي في لبنان تحمل إشارات وتأويلات متباينة. لا شك أن السعودية، التي سارعت إلى ضبط إيقاع الوضع اللبناني من خلال تسوية رئاسية وحكومية لم ترضِ إدارة الرئيس دونالد ترامب، وجّهت اهتمامها الأساسي نحو الوضع السوري، من دون أن تفقد السيطرة على الملف اللبناني. وهذا ما يحرص خصومها، وتحديدًا "حزب الله"، على التذكير به، مؤكدين أن السعودية تقف وراء الضغوط الحالية على الحكومة في ملف جمع سلاح الحزب.

لكن النقطة الأساسية التي يمكن التوقف عندها هي علاقة السعودية بالجيش اللبناني، وما يمكن أن يترتب على هذه العلاقة مستقبلًا في إدارة الوضع الأمني. المرة الأولى التي كان يمكن الحديث فيها فعليًا عن علاقة الرياض بالجيش كانت عبر فرنسا، من خلال هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والتي أُجهضت لاحقًا، ولم تصل منها إلى الجيش سوى كمية ضئيلة. توقفت الهبة عام 2016 ، وتحول جزء منها إلى قوى الأمن الداخلي.  وأعلنت السعودية أن توقف الهبة جاء لأسباب تتعلق بمواقف  لبنانية لا تنسجم مع العلاقات الثنائية بين البلدين.

عدا ذلك، ظلت العلاقة بين السعودية والجيش اللبناني سويّة، وزار قادة الجيش الرياض تباعًا. وكان آخرها زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون في كانون الأول 2024، قبل أيام من انتخابه رئيسًا للجمهورية. وقد عملت السعودية على دعم وصول عون إلى الرئاسة، في حين لم يكن لها دور مباشر في اختيار خليفته على رأس المؤسسة العسكرية، الذي جاء نتيجة تسوية مع "الثنائي الشيعي".

مع تطور الوضع السوري، عُقد لقاء أمني على مستوى المخابرات اللبنانية والسورية والسعودية، في إطار الجهود السعودية للتنسيق بين البلدين في الملفات الأمنية. فقد تمكنت السعودية، في فترة مفصلية بعد سقوط نظام الأسد وما ترتب عليه من تداعيات ميدانية على الحدود مع لبنان، من تشكيل قاعدة تواصل بين الجهات الأمنية المخوّلة بالتنسيق في الملفات العالقة بين البلدين. يتعلق ذلك، أولًا، بضبط الوضع الميداني على الحدود بعد انتشار مخاوف من تطورات قد تطال القرى اللبنانية المحاذية، لا سيما القرى الشيعية، وثانيًا، بملف ترسيم الحدود، بما في ذلك الحدود البحرية، والسجناء السوريين في السجون اللبنانية. حتى اليوم، تؤكد كل الانطباعات التي يتحدث عنها الجيش إيجابية في ما يتعلق بالتنسيق السعودي مع سوريا، بهدف منع تحويل الوضع الحدودي، وأي تحرك للفصائل المنضوية تحت سلطة النظام السوري، إلى ذريعة لتمسك فئات لبنانية بسلاحها. والمقصود هنا ليس  "حزب الله"وحده، بل أيضًا فريق من المسيحيين الذين أظهروا قلقهم مما حدث في السويداء والساحل العلوي.

مع بدء الحديث عن خطة يفترض أن يقدمها الجيش لجمع سلاح "حزب الله"، نوقش في لقاءات رسمية كلام أميركي على دعم مالي ستقدمه السعودية في إطار حاجة الجيش إلى مساعدات مالية لتطبيق خطته العسكرية الداخلية. لكن، حتى اليوم، لم يتلق الجيش أي مساعدات مالية من السعودية، وقد يكون ذلك ربطا بانتهاء الخطة وتقديمها والتزام الحكومة البدء بتنفيذها.

 في المقابل، خلال الأزمة المالية التي مر بها لبنان وتدهور رواتب العسكريين، كانت قطر السبّاقة إلى تقديم مساعدات مالية وعينية لتحسين الرواتب، وهي هبة تجددت أكثر من مرة. ورغم انسحاب قطر حاليًا من المشهد السياسي، تجددت هبتها بقيمة 60 مليون دولار بعد زيارة رئيس الجمهورية إلى الدوحة، ما رفع قيمة المساعدة الشهرية للعسكريين والضباط.

عمليًا، لم تتمّ ترجمة الدعم السعودي للجيش مساعدات مالية حتى اليوم، ولا توجد وعود واضحة بمساعدات عسكرية.  علمًا ان لاتفاقات التي كان يفترض توقيعها بين لبنان والسعودية بعد زيارة رئيس الجمهورية إلى الرياض لم تُبرم. لكن موضوع دعم الجيش ماليًا يُفترض أن يأخذ منحى آخر في إطار السياسة المتعلقة بجمع السلاح، وهذا ما لا يبدو متاحًا حتى اليوم.

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي