نحن cafein.press

الجرايد "يَلّي معنا كتبوا معنا". كانت هذه العبارة من مسرحية "الشخص" للاخوين رحباني تتردّد دوماً كلما اصطفت الجرائد مع السياسيين في لبنان، قبل الحرب وخلالها وبعدها. ونحن لا نريد أن نكون جريدة "يَلّي معنا" أو "يَلّي ضدّنا"، بل نريد أن نكون مع "يَلّي معنا" و"يَلّي ضدّنا".

​في عام 2025، والذكاء الاصطناعيّ على كلّ شفة ولسان، وفي لحظة انتشار الأخبار السريعة والبودكاست والانغماس في الصحافة الافتراضية، قد تكون هذه آخر المحاولات للعودة إلى البدايات الكلاسيكيّة بقالبٍ حديث.

​بعضنا من جيل رسم الصفحات وتركيبها على الورق، وقصّ الزائد من المقال وإلصاقه، وإضافة من هنا وهناك. ومن جيل السهر وأوراق الوكالات تتجمّع على آلات النسخ، والحضور اليوميّ والتنقّل بين المناطق، والنوم في ملاجئ الصحف ووسائل الإعلام. وبعضنا من الجيل الذي واكب كلّ التقنيات الحديثة وتغيّر أساليب العمل الصحافي.

​نحن من أواخر الذين يريدون استخدام الوسائل الحديثة ولكن بنوستالجيا الماضي. نفتّش عن خبر وتحليل ومقال وتحقيق، عن فيلم وعن كتاب صدر حديثاً، وليس عن عنوان يستدرج الغرائز بكلّ تلاوينها. وإذا كنّا من جيلٍ تعايشَ مع رموزٍ صحافيّة، كما مع الوافدين الجدد الذين طبعوا بدورهم يوميّات الإعلام، وعملنا في صحفٍ تقليديّة وحديثة، إلاّ أنّ كلّاً منّا حافظ على فكره السياسيّ وانفتاحه على كلّ نقاشٍ حيويّ، يوم كانت -ولا تزال- لا تحبّذه القوى السياسيّة.

​قد يكون من حظّنا أنّنا شهدنا الانتقال من اليدويّ إلى الآليّ، ومن الورق الأصفر إلى صفحاتٍ إلكترونيّة، فصار متاحاً لنا أن ننشئ صحافة إلكترونيّة حين كان متعذّراً أن نمتلك رخصة جريدة أو مطبوعة أسبوعيّة. ولأنّنا نريد أن نقرأ تحقيقاتٍ صحافيّة وأن نعرف ماذا يدور في طرابلس كما بيروت، وفي البقاع كما بعبدا وكسروان وجبيل، وفي الجنوب بتلاوينه كافة كما عكّار وبشري وزغرتا، أردنا موقعاً معبّراً عن كلّ ذلك، فلا تنحصر نقاشاتنا السياسيّة والفكريّة والثقافيّة في إطارٍ مقولب، ولا ننجرف في لوثة الاستسهال. نريد أن نستعيد المواضيع والمقالات والتحقيقات القضائيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفنيّة بلغةٍ راقية ومهذّبة، وأن نعطي الجامعات دورها في أن تكون صوتاً تغييرياً مختلفاً، وأن تكون للتربية وللبيئة حصّة تستحقّانها في عصر الركض وراء النميمة.

​أحلامنا أن نستكمل في محاولتنا الصحافيّة ما بدأناه في منابر أخرى، محمّلين كلٌّ منّا بتجربته وواقعيّته وأسلوبه وموقفه السياسيّ، ومستفيدين من التقنيات الحديثة قبل أن تصل إلينا موجات جديدة غير متوقّعة منها، قد تضعنا في خانة زمنٍ مضى.

​أمّا الإطار السياسيّ، فليست مصادفة أن نصدر في الأوّل من أيلول، تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير في 1920، مع ما يحمله هذا التاريخ من رمزيّة. وعليه، نريد ان نكون مساحة مشتركة من كل الاتجاهات السياسة فعلا، للتعبير عن ارتباطنا بفكرة لبنان المتمسك بالدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني. لبنان الدولة المستقلة والعيش المتعدد حتى داخل الطوائف والمذاهب نفسها. يحتفظ كلٌّ منا بمساحته الخاصة، وبموقفه، لكن الإطار الجامع أن نعكس أحلامنا بالعيش في وطنٍ حرّ وآمن ومزدهر، وبمستقبل قائم على الشراكة الحقيقية.

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي