تعميم نصار دخل حيّز التنفيذ وتطبيق الاصلاحات قبل الصيف
برّدت أجواء الإعتراض على تعميم وزير العدل عادل نصار المتعلق بالكتاب العدل بعدما إلتقى وفدًا منهم في وزارة العدل حيث اطلعهم على حقيقة الامور والالتباس الذي كان قائمًا في شأن هذا التعميم، وشرح لهم خلاله المعلومات المتوافرة لديه في هذا الصدد من دون حصول ايّ ردة فعل منهم. يدرك الوزير نصار ان هذا التعميم ليس ترفًا لان المطلوب من لبنان تطبيق اجراءات صارمة وإلا فإن العواقب ستطاول الجميع. وأعاد الى الأذهان ان ما هو مطلوب من لبنان على صعيد الإصلاحات ليس حديث العهد يعود اقله الى عشرة اعوام خلت.
وفي كلام آخر ان فترة المراوحة والتسويف إنتهت في نظر المجتمع الدولي. والمطلوب من لبنان اليوم إما التنفيذ او الذهاب الى ابعد من اللائحة الرمادية. يحاول وزير العدل في خطوته التنفيذ والحفاظ على مكانة كل مهنة او قطاع من خلال القانون. وهو يدرك ان هذا التعميم يستند إلى أطر قانونية، وتحديدًا الى المادة الخامسة من القانون رقم 44/2015 لمكافحة تبييض الأموال والإرهاب. وهذه المادة تطلب من الكاتب العدل التواصل مع هيئة التحقيق الخاصة للتأكد من هوية صاحب الحق الإقتصادي، فإن كان موضوع على قوائم الهيئة او لدى قوى الامن الداخلي يجري تجميد المعاملة. وهذه الإجراءات قائمة منذ عام 2015 . وهو ما تطبقه هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على المصارف والمؤسسات المالية، فيما سائر القطاعات من الكتاب العدل والمحامين والسجل التجاري ترعاهم المادة الخامسة المذكورة، وكذلك مفوضي المراقبة خلال قيامهم بأعمال مع الشركات. ووزير العدل مسؤول عنهم لجهة المتابعة والملاحقة. لقد أخذ هذا القرار الجريء على عاتقه عندما اصدر هذا التعميم المسند الى مشروع قانون يتصل بالكتاب العدل لتدخل هذه التعديلات في صلب القانون الذي يرعى اعمالهم.
مشروع القانون لم يُطرح بعد على جدول اعمال مجلس الوزراء. وهذا الامر يقرره الامينال عام لمجلس الوزراء محمود مكية مع رئيس الحكومة، وكذلك يعود الى رئيس الجمهورية ان يطلب طرحه. وحتذاك يمكن ان يشكّل عدم التقيّد بمضمون التعميم مساءلة مسلكية او مسؤولية جزائية او مدنية، وفق مصادر متابعة.
دخل تطبيق هذا التعميم حيّز التنفيذ وسيتابع وزير العدل تنفيذه، باعتبار ان المطلوب من لبنان ان يكون أنجز كل ما هو مطلوب من إصلاحات حتى اواخر الربيع المقبل، وفق المهلة المعطاة له المحددة بسنة ونصف السنة. هذه المهلة بدأت بالسريان منذ نحو عام. وفي حال بقي في فلك المراوحة سيكون لبنان عرضة لمزيد من الضغوط، وصولًا إلى إعتباره من الدول غير المتعاونة في اطار مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وإستطرادًا يلاحظ ان ثمة إصرارًا على المضي قدمًا بهذا التعميم. وحتى الآن لم تتقدم أي جهة بطعن امام مجلس شورى الدولة بهذا التعميم. ولا تزال المهل مفتوحة امام تقديمه. وفي حال الطعن به سيكون عرضة لردّه في الشكل لأسباب تنظيمية، من دون ان يسقط حق الطعن به مجددًا بعد تصحيح اسباب ردّه في الشكل، بحسب مصادر قانونية. في الغضون يبقى التعميم ساري المفعول ما لم يصدر قرار عن مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ هذا التعميم، في حال جرى الطعن به من جديد امامه، علمًا ان قرار وقف التنفيذ له شروطه إذا ما ارتآها المجلس يقرنها بتفسير معلل في قراره. وتستبعد هذه المصادر صدور مثل هذا القرار لأسباب قانونية، وبالاستناد الى مبدأ تدرج القوانين لجهة مدى تطابق التعميم مع القانون.وعدا ذلك؟. تقول هذه المصادر يكون خرج عن صلاحيته كمجلس شورى كون تقييم القوانين ينحصر بالمجلس الدستوري .
معلوم قانونًا ان قرار وقف التنفيذ هو قرار تمهيدي، يلجأ المجلس الى إتخاذه لوقف الضرر عند وجوده، ويشكل في الوقت نفسه مؤشرًا وتوطئة للقرار النهائي لقبول الطعن جزئيًا او كليًا. وفي الحالة الأخيرة يبقى صدوره رهن الوقت نظرًا الى الآلية المطلوبة لدرسه من مفوض الحكومة لدى المجلس تمهيدًا لوضع تقريره ورفعه الى مجلس الشورى لتتذاكر هيئة الأخير قبل إصدارها القرار النهائي.
الطريق الأسهل كان ان يدرس مجلس الوزراء مشروع القانون الذي وضعه وزير العدل، ويحيله على مجلس النواب ليصدر بقانون نافذ. ويبدو ان الطريق امام هذا المنحى غير سالكة راهنًا. ويستشهد قانوني بتجربتين سابقتين بقيتا من دون نتيجة في إطار استرجاع اموال المودعين. تتعلق التجربة الأولى بدراسة أنجزت بمعية نقيبة المحامين الحالية في جنيف بشأن استرداد اموال المودعين. تولت وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم في حينه نقلها باليد الى رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب. وبقيت في رئاسة مجلس الوزراء رغم موافقة دياب ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون عليه. والتجربة الثانية إعداد مشروع قانون من نائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي يرمي إلى توفير ضريبة تحال مباشرة على صندوق المودعين إنصافًا لهم. وافقت الحكومة السابقة عليه. وتوقف المشروع عند هذا الحد من دون ان يتسلمه مجلس النواب.
اليوم تغيّرت الظروف. لقد كان من الأسهل على الوزير نصار عدم الأخذ على عاتقه هذه الخطوة لو كانت السبل الأخرى متاحة. وفي كل الأحوال لا يقتضي إهمال تنفيذ ما هو مطلوب من الخارج من إصلاحات في كل بلد ينشد دولة المؤسسات. ولا يمكن التغاضي عن محاذير عدم التنفيذ وإنعكاساته السلبية على اولياء الشأن، ولاسيما ان وزير العدل هو رجل قانون وحلّ في المسؤولية التي يتولاها مع علمه المسبق ان البلاد دخلت مرحلة جديدة،ولا عودة الى الوراء رغم إشتداد المصاعب والمطبات.