سوريا تتقدم على لبنان في المشهد الدولي

سوريا تتقدم على لبنان في المشهد الدولي

وزير الخارجية السوري (سانا)

مع الزيارة الرسمية الاولى لوزير الخارجية السوري اسعد الشيباني الى واشنطن  والاولى لوزير خارجية سوريا منذ 25 سنة، للقاء  ووزير الخارجية الاميركي ماركو روبيو، ومن ثم توجّه الرئيس السوري احمد الشرع الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العمومية للامم المتحدة، تتصدر سوريا المشهد الاقليمي وتتقدم على لبنان في الاجندات الدولية.

يسعى الشيباني في زيارته التي وصفتها الخارجية السورية بانها " تاريخية"، الى رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ، استكمالا للعمل الذي تقوم به الدول العربية في اطار الاستثمارات الاقتصادية فيها واستعادتها تدريجا الى  الوسط العربي وسيكون له لقاءات على مستوى اعضاء في الكونغرس. وتريد سوريا تحت انظار السعودية تحديدا (والامارات) تحسين صورتها الاقتصادية، وتأكيد اهليّتها للاستثمار الاجنبي والعربي فيها. ورغم الفوضى السياسية التي لا تزال تظلل المشهد السوري، سواء بعد احداث الساحل السوري او السويداء والحضور الاسرائيلي الدوري عبر عمليات محددة قرب دمشق والجنوب السوري، الا ان هناك رغبة دولية وعربية في التعامل مع النظام السوري كنظام موثوق. وهو ما شهدته قمة قطر الاخيرة. 

الواضح بالنسبة الى المشهد الدولي الجديد واطلالة الشرع من نيويورك  والشيباني من واشنطن والتهليل الاميركي لهذا المشهد المزدوج، ان السعي الى تقديم صورة جديدة لسوريا، يكاد يشبه في بعض تفاصيله الاحتضان الاوروبي لنظام الرئيس بشار الاسد في اولى اطلالته الدولية مع بداية تسلمه السلطة. صحيح ان الاحداث اللاحقة اثبتت عدم صوابية التوجه الاوروبي، والاميركي في وجوه كثيرة، لكن المحاولة اليوم  تبدو شبيهة بالمحاولة السابقة. وان كان من المبكر الحكم عليها قبل جلاء كل ظروف المنطقة، وخصوصا في ظل سعي اسرائيل الى التحكم باللعبة الاقليمية من غزة الى الضفة الغربية ولبنان والجنوب السوري. والعامل الاسرائيلي هو الذي يشكل كلّ الفرق بين مرحلتين سابقة وحالية في وضع النظام السوري وتأثيراته وتعامل العواصم الاساسية معه. فاسرائيل تريد صياغة ترتيبات معه ويبدو انها متقدمة حتى الان، وهذا من شأنه ان يرسم صورة اخرى لسوريا في  التعاطي الدولي معها ومساعدتها على تكريس حضورها. ورغم ما يظلل الواقع السوري حتى الان من اشكالات امنية واحتمالات تغيير جغرافي، الا ان حرص عواصم عربية وغربية على تقديمها كقضية على ملفيّ غزة ولبنان صار اكثر وضوحا في الاونة الاخيرة. 

لبنانيا، ثمة اشكاليات عدة في التعاطي مع محاولة تقديم سوريا كنموذج جديد،  ولبنان معنيّ بملفات كثيرة تتعلق بالواقع السوري وما يمكن ان يرتسم تدريجًا للنظام السوري. فملف لبنان ورغم الاحاطة الغربية به، الا انه صار يشكّل في بعض وجوهه عبئًا لكثرة الانزلاقات التي تحصل فيه، ولتشابك الاجندات الداخلية، بحيث لم يعد هناك توجّه واحد تركن اليه العواصم المعنية وفي مقدمها واشنطن. والاخيرة تتعاطى مع لبنان كفرصة ضائعة. في حين ان اسرائيل لا تتصرف وكأنها انتهت من حربها فيه. بل تستمر بشنّ ضربات بوتيرة محددة، من دون توقف عند اي اعتبارات تتعلق باستمرار احتلالها لنقاط اساسية في الجنوب. ومجرد حصولها على ترتيبات في سوريا  يجعل من لبنان ملفا مجمدًا في انتظار تفكيك العقد المتتالية. واذا اضيف تراجع ملف غزة، رغم الحملة العسكرية وارتفاع اصوات التنديد الغربي بممارسات اسرائيل اللانسانية تجاه شعب غزة، الا ان ثمة نزعة الى قطف ثمار التحول في سوريا بصفته نموذجًا لما يمكن ان يكون عليه وضع بلدان المنطقة مع عقد ترتيبات امنية وعسكرية وتأمين متطلبات هذه الدول لناحية تطبيع وضعها الامني. لكن لبنان يختلف في قراءته لوضع سوريا طبقا لتوجهات متناقضة، بين الحذر من هذا التحول الجذري الذي يشهده العالم في كيفية التعامل مع الشرع والنظام الجديد، وبين مؤيّد له وبين الخوف من ان تكون تأثيرات سوريا بعد التحول الدولي تجاهها مشابه لتأثيراتها السابقة بعد التسعينات، وبغض نظر دوليّ. لا سيما انه يوجد دائما في لبنان من يسعى الى التماهي مع سوريا ايّا كان نظامها، فكيف الحال وقد بدأت تجد صدى عربيًا ودوليًا.

 

 

 

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي