رسائل اسرائيل تُرجمت في قصف الضاحية
الرسائل التي نُقلت الى لبنان منذ اسابيع وايام قليلة، اثبتت مع استهداف الطيران الاسرائيلي للضاحية الجنوبية، انها كانت بمثابة رسائل تحذيرية تبيّن صحتها، لا سيما لجهة انها تحدثت عن عمليات نوعيّة لا على مثال حرب السنتين. لا زيارة البابا ليون الرابع عشر الى لبنان ستوقف اسرائيل عند خطوط حمر، ولا المهل التي يستنفذها لبنان قابلة للتجديد.
السؤال الذي طرحه اكثر من مسؤولي سياسي وامني، ماذا كان في وسع لبنان ان يفعل وفق ذلك؟
الجواب الذي في جعبة المتصلين بالادارة الاميركية، يعود الى نقطة البداية، مع بدء الافتراق اللبناني – الاميركي، الذي ادى الى ان يفقد لبنان الوسيط الاميركي الذي اصبح منحازًا بالكامل الى اسرائيل. ولو ان في لبنان من يعتقد ان واشنطن من الاساس منحازة الى اسرائيل. الا ان خيطًا من التواصل ظلّ موجودًا، وبقي في الادارة الاميركية من يهتم بالشأن اللبناني، فلا يرضى ان يخضع مرّة جديدة لتدمير ممنهج كما كانت الحال في السنتين الاخيرتين.
البداية اذًا من المرحلة التي بدأ فيها لبنان يتعاطى مع الموفدين الاميركيين على انهم غير مقررّين، وانهم مجرد مندوبين يتأثرون بافرقاء لبنانيين خصوم لحزب الله، وان القرار الاميركي الاول، لا يزال يعطي لبنان اولوية. منذ كلام المستشار الاميركي مسعد بولس وحتى كلام الموفد طوم برّاك مرورا بالموفدة مورغان اورتاغوس، وصولا الى مهمة السفير ميشال عيسى، وكلام اعضاء الكونغرس الاميركي حيال لبنان، كان هناك خط بياني واحد. وهو ما لم يلتقطه لبنان، لا بل بدا حريصًا في كل مرة على اظهار الجفاء مع الموفدين الاميركيين، وتسريب ما قيل لهم وليس ما قالوه هم.
النقطة الثانية هي ان اسرائيل ابلغت بوضوح ومنذ اتفاق وقف النار في غزة ان هدفها الثاني هو حزب الله، وانها ليست في وارد التراجع عن تدمير بنيته التي يسعى الى اعادة بنائها. وهي من هذه الزاوية عبرّت من خلال المشاركة الاميركية في اجتماعات الناقورة عن عدم رضاها على اداء الجيش اللبناني في ما تعتبره"تنظيف" جنوب الليطاني وما بعده. اي جنوب الليطاني كمنطقة عازلة وشمال الليطاني كمناطق خالية من السلاح والحزب، وهذا ما تتشارك به مع واشنطن. فالقلق ليس اسرائيليا فحسب، انما اميركيّا ايضًا، وهو كان مدار بحث مطوّل في عدد من الدوائر الاميركية، التي لم تر بدًّا من ايصال رسائل الى لبنان عبر الغاء اجتماعات قائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن. لذا كان الانتقال الى شمال الليطاني، سواء في الضاحية او البقاع بمثابة امتداد تريد اسرائيل تكريسه، في مواجهتها حزب الله اينما تريد وساعة تريد. وما القصف المزدوج في توقيت واحد الا تكريسًا لهذه المقولة.
النقطة الثالثة تتعلق بموقف لبنان مما جرى. الموقف الرسمي وموقف حزب الله. الموقف الرسمي، المستنكر للضربة الاسرائيلية، جاء معطوفًا على طرح رئيس الجمهورية فكرة التفاوض. لكن ما ترفض الرئاسة الاولى الاقتناع به، هي ان احدًا لم يلاقِ العرض اللبناني الى منتصف الطريق. وهذا في حدّ ذاته رسالة تتقاطع مع الموقف الاميركي من اداء الجيش ومن موقف لبنان من عدم حصرية السلاح. اما رمي الرئاسة الاتهامات يمينًا ويسارًا، فمجرد عنصر من عناصر المماحكات الداخلية التي لا تأثير لها على الموقف الاساسي الذي تتخذه الولايات المتحدة، التي لها في كلّ ادارة وفي كلّ وزارة ومؤسسة امنية او عسكرية من يمثّلها. والترويج الاعلامي المضاد لا يخدم حقيقة موقع لبنان في احتمالات توسيع اسرائيل لرقعة اعتداءاتها.
اما موقف حزب الله فهو بات اكثر دقة من قبل. لانه على مفترق طرق بين جسامة الاستهداف في المكان والزمان وبين القدرة الفعلية على الردّ ومكانه وانطلاقته من جنوب الليطاني او خارجه وما يستتبع ذلك من تداعيات.