واشنطن تنسحب تدريجا من لبنان

واشنطن تنسحب تدريجا من لبنان

الموفد الاميركي طوم برّاك في بعبدا

منذ ان تصرف الاميركيون في لبنان بهدوء مع ملف جمع السلاح وكيفية تعامل مجلس الوزراء معه، ساد انطباع ان الامور اصبحت سالكة. اي ان لبنان استطاع اقناع الاميركيين بوجهة نظره الرسمية، وان الاميركيين يفضلون الاستقرار في لبنان على اي احتمالات مواجهة داخلية مع حزب الله، وان الفريق الاميركي الداعم لهذا التوجه اثبت وجهة نظره التي باتت معتمدة.

لكن ثمة اجواء اميركية مغايرة تماما، تتعلق بطريقة قراءة فريق اساسي من الادارة الاميركية لمنحى الوضع اللبناني برمته. 

لا تتعاطى الولايات المتحدة مع لبنان اي الامن  او الجيش او الرئاسة او حزب الله  او الاقتصاد كملفات منفصلة بعضها عن البعض الاخر. بل تنظر الى كلّ ذلك كملف واحد، متكامل مؤلف من سلسلة حلقات مترابطة. وبذلك، لا يمكن التعاطي مع ملف المساعدات للبنان بوصفها معزولة عن جمع السلاح. اما الكلام عن مساعدات للجيش وتحريكها وتفسير انها  تحول جذري، فهذا يعود الى قراءة لبنانية محض، اذ ان المساعدات لا تتعدى 14 مليون دولار وهو رقم  بالمعنى العسكري ضئيل، كما انه محدد لاهداف تقنية بحت ومحصورة، وان كانت تحت مسمى مساعدة الجيش على الكشف عن مخابىء اسلحة حزب الله، وبذلك يصبح العنوان اهم واكبر من المضمون . اضافة الى ان هناك اكثر من جهة اميركية رسمية تعمل بجدية على اقتراح لوقف مساعدة للجيش. مع التوقف عند نقطة اساسية، هي ان واشنطن تتعامل مع الجهات الرسمية اللبنانية، ايا كانت ملاحظاتها عليها،  لكن الاساس ان هذه الملاحظات موجودة. وهذا انطبق على عهد العماد ميشال عون، وايضا على العهد الحالي. اذ  ثمة ملاحظات تتعلق بكيفية تركيبة السلطة الحالية منذ لحظة انتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، وصولا الى تعيين العماد رودولف هيكل قائدا للجيش. لانها تعتبر ان مجيئه جاء بتسوية بين المرشح عون وحزب الله. اضافة الى ان هناك من لم يتخط بعد محاولة الاتيان بالرئيس نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة، قبل الاتفاق على اسم القاضي نواف سلام. 

في نظر هذا الفريق ان  جمع السلاح في لبنان هو شأن داخليّ بحت، وهذا التمييز لم تتمكن السلطات المعنية في لبنان من التقاط مغزاه حين تكرر اكثر من مرة على لسان مسؤولين اميركيين. اي ان  السلطة اللبنانية  هي التي يفترض ان تأخذ زمام المبادرة في عملية جمع السلاح، من دون انتظار ورقة اميركية او ضغط خارجيّ. اما وان لبنان تعامل مع عملية جمع السلاح على طريقة تضييع الوقت،فان الاميركيين ليسوا معنيين باي تبعات مستقبلية تتعلق باستمرار وجود حزب الله حزبًا مسلحًا يملك قوة عسكرية الى جانب الجيش اللبناني.  والاهم انها لم تعد معنية باي دفع دولي من اجل تأمين الدعم المالي للبنان، او المساعدات التي يحاول لبنان الحصول عليها عبر المؤتمرات الدولية.

اضافة الى كل ذلك  ينسى لبنان ان هناك استحقاقات تجري على مقربة منه، فعملية غزة بدأت والاقتراب من الضفة الغربية يتسارع ، وبعد استهداف اسرائيل لقطر واستشعار الدول الخليجية خطورة ما تقبل عليه المنطقة، من الضفة الى الاردن ودول الخليج، ثمة مخاوف من ان تكون الولايات المتحدة تتصرف وكأنها سحبت يديها من المنطقة. ولبنان سيكون من ضمن الارضية التي ستسعى الولايات المتحدة ان تسحب يديها منه تدريجا. هذا لا علاقة له بالفكرة اللبنانية حول بناء سفارة كبيرة او توسيع حرمها، كدلالة على استمرار الدعم الاميركي المطلق.  ثمة حسابات مختلفة داخل الادارة الاميركية في رؤيتها للبنان، بغض النظر عن نوعية الوفود والشخصيات التي تأتي لبنان وتتحدث عن نظرة الادارة الى مستقبل لبنان والمكونات فيه. وهذا كله سيكون رهن الوقت المقبل الذي تنتظر فيه واشنطن من لبنان الافعال لا الاقوال فحسب.

 

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي