واشنطن : حصر السلاح او الفوضى

واشنطن : حصر السلاح او الفوضى

الموفد الاميركي طوم برّاك في بعبدا

مع كلام الموفد الاميركي توم برّاك الاخير حول لبنان، اظهر الاميركيون صراحة ما يريدونه. يشبه كلامه بحسب سياسيين رافقوا مرحلة التسعينات وما قبلها وبعدها، كلام الموفد الاميركي ريشارد مورفي "مخايل الضاهر او الفوضى". ابلغ مورفي حينها كل من راجعه رسالة مختصرة، وغادر لبنان والمنطقة. وصل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، وتوالت الحروب من كل الانواع ودبّت الفوضى في لبنان، قبل اتفاق الطائف وبعده، وتسلّمت سوريا زمام الامور فيه، وتُرك لبنان لمصيره لسنوات.

حين أوكلت واشنطن مهمة مراقبة الوضع اللبناني الى موفدين اثنين برّاك ومورغان اورتاغوس، بدا لمتابعي المسار الاميركي ان ثمة ما يُقلق في السياسة الاميركية تجاه لبنان. في عزّ الوجود الاميركي، في الثمانينات، سلّمت واشنطن الى الموفد فيليب حبيب وحده مهمة ادارة الوضع والمفاوضات. كان وحده يفاوض ويبلّغ ويضع النقاط على حروف السياسة الاميركية في لبنان.

مع تعدد الموفدين الاميركيين، اضافة الى تحرك السفارة الاميركية، بات الالتباس اكثر في التعامل مع ما تريده واشنطن. من دون ان ننسى ما سبق ان قاله مستشار ترامب مسعد بولس  قبل انتخاب العماد جوزف عون، حول ضرورة التريث في الانتخاب حتى تصل ادارة ترامب وتتسلم ملفاتها. لم يؤخذ كلامه بجدية حينها. لكن مسار كلامه ظهر انه تعبير عن الاتجاه الذي اخذته ادارة ترامب نحو لبنان. وتدريجا جاءت اورتاغوس الى بيروت، فتعاملت معه بعض القوى السياسية لاحقا على انها اُبعدت عن الملف اللبناني. لكنها عادت أقوى في موقعها في الامم المتحدة، واصبحت اكثر تأثيرًا، وتعددت زياراتهاالى لبنان لمراقبة وقف النار وغيره. ثم فتح مجيء برّاك الاحتمالات على اتجاهات اخرى، ليتضح انه اكثر حدّة منها في توصيفه للوضع اللبناني.

ما قاله الموفد الاميركي، سبق ان قاله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان عن عجز الطبقة السياسية وكرره اكثر من مرة. ومع ذلك، ثمة منحى لبناني في تجاهل كل التبليغات الفرنسية والاميركية، تماما كما حصل خلال اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان. اليوم يقول الاميركيون الكلام نفسه، موضوع حصر السلاح  ليس للتفاوض، بل هو أول واساسي، واي تغاضٍ عنه، يعني ان لبنان سيتُرك  لمصيره. وما يقال اكثر في الرسائل ان التهديدات الاسرائيلية اكثر من جدية، وان ما ينتظره لبنان في الاشهر القليلة المقبلة، لن يكون سهلًا. بالنسبة الى المطلعين على الرسائل، لم يعد لبنان يمتلك ترف تضييع الوقت، وان كان بعض المسؤولين فيه يراهنون على ان ادارة ترامب ستنشغل بعد مدة بالتحضير للانتخابات النصفية للعام 2026، وهذا سيشغلها حتمًا عن اوضاع لبنان والمنطقة. الا أن للاميركيين وجهة نظر مختلفة. فهم لن يكونوا معنيين بلبنان، ليس بسبب انشغالاتهم، بل لان لبنان لا يلتزم بما اُتفق عليه. والمشكلة التي سيواجهها من الان وصاعدًا تتعلق برؤية اسرائيل لما لم يتمّ انجازه في موضوع حصر السلاح. وهذا ما ألمح اليه الموفد الاميركي اكثر من مرة في لبنان وخارجه. واسرائيل لا تخشى توسع رقعة مواجهاتها، بعد  موجة حلّ الدولتين. من هنا يصبح على لبنان التعامل مع واشنطن بما تقوله وليس بما يريده هو، والرسالة هذه المرة كانت واضحة علانية، ولا يمكن لأي مسؤول ان يتذرع بعدم وصولها، او تفسير مضامينها بطريقة مخففة: حصر السلاح او الفوضى.

 

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي