واشنطن "جديدة" في التعاطي مع الجيش
ليس الغاء زيارة قائد الجيش رودولف هيكل الى الولايات المتحدة، امرًا عابرًا في المشهد السياسي والعسكري. تشكل الزيارة عادة معمودية ضرورية للجيش، الذي يتكىء في شكل شبه كامل على الولايات المتحدة في امداده بالمساعدات العينية، والاليات والذخائر.
قبل ان يطلع الفجر في لبنان، كانت الرسائل قد وصلت من واشنطن ان ادارة الرئيس دونالد ترامب وبسبب استيائها من اداء الحكومة والجيش الغت الاجتماعات التي كانت مقررة لهيكل الى العاصمة الاميركي، كما الاحتفال التكريمي في السفارة اللبنانية في واشنطن. بعد ساعات اعلن عن الغاء الزيارة. الخبر في حد ذاته، ولو لم يترافق مع جملة تصريحات لاعضاء في الكونغرس الاميركي تصب في المنحى ذاته، ليس معزولًا عن المسار الاميركي في التعاطي مع لبنان والجيش.
حتى الايام الاخيرة، كان لبنان يتعاطى مع التحذيرات الاميركية، على انها عادية وروتينية. وكان هناك اصرار من بعبدا، وبصفة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون قائدا أعلى للقوات المسلحة، على ان ادارة ترامب تحيّد الجيش، ولا تزال تعتبره ركنًا اساسيًا في تعاطيها مع لبنان. كما كانت هناك حملة سياسية موالية للجيش، تؤكد هذا التوجه وتقدم مثالًا على ذلك الافراج عن المساعدة المالية الاخيرة وقدرها 230 مليون دولار.
في خضم موجة الارتياح والاطمئنان التي بشّر بها رئيس الجمهورية حول علاقة واشنطن بلبنان، اغفل لبنان الرسمي سلسلة ملاحظات اميركية:
اولا ان الموفد الاميركي طوم برّاك، وعند اي لقاء معه اعلامي او اجتماعي او سياسي يجمعه بلبنانيين في المنطقة او في واشنطن، كان يسهب في الحديث عن الاخطاء التي يرتكبها المسؤولون اللبنانيون ازاء التطورات المقبلة على المنطقة ولبنان. وبرّاك يتحدث عن المسؤولين في لبنان بحدّة مستغربا طريقة تعاطيهم مع بلدهم، وانهم لم يتلقفوا المبادرات المتتالية وانهم تعاطوا مع المهل المحددة لحصر السلاح على انها غير نهائية. وبرّاك مؤثر في قراءة ادارة ترامب للوضع اللبناني، وهو بأدارته ملف سوريا له خلاصات واضحة في التعاطي الاميركي مع سوريا ولبنان.
ثانيا الاجتماعات التي حصلت في الناقورة بوجود الموفدة الاميركية مورغان ارتاغوس تضمنت انتقادات وملاحظات حول اداء الجيش جنوب الليطاني ولا سيما ما يتعلق منها بعدم تفجير الانفاق التي يدهمها الجيش. كما ان الاميركيين في رسائلهم المباشرة، تحدثوا باسهاب عن ملاحظات تتعلق بكلام الجيش منذ ان بدأ تنفيذ مهمته في جنوب الليطاني بانه انهى مهمته بنسبة تقارب 90 في المئة. في حين ان للولايات المتحدة واسرائيل ملاحظات حول استمرار وجود حزب الله في هذه المنطقة، بدليل الاستهدافات الاسرائيلية المتتالية لمواقع محددة. وكذلك فان ما نُسب الى هيكل في جلسة مجلس الوزراء التي اعقبت موجة القصف الاسرائيلي العنيف الاخيرة، وطلبه التوقف عند الالتزام بوقف النار ما لم تنسحب اسرائيل او تلتزم به اثار استياءً اميركيًا. علمًا ان الجيش لم ينف رسميًا هذا الكلام. ليصدر لاحقا بيان "سياسي" من الجيش عدّته واشنطن بمثابة رسالة سياسية غير معتادة من الجيش، بتحميل اسرائيل مسؤولية زعزعة الاستقرار وانتهاك السيادة اللبنانية.
ثالثًا حرص الاميركيون على ابللاغ المعنيين ان المساعدة المالية وقدرها 230 مليون دولار، مخصصة لملف حصر السلاح، فقط. وهي ليست مساعدة بالمطلق للجيش يصرفها في حاجاته العسكرية. ولم يفت الاميركيون العاملون على ملف لبنان، الحملة المعاكسة التي صوّرت المساعدة على انها بمثابة موافقة اميركية على اداء الجيش. وهذا الامر ليس صحيحًا. لان لواشنطن ملاحظات على ادائه. لكنها كانت الى فترة قصيرة ميّالة الى عدم اتخاذ خطوات قاسية.
ما حدث خلال الساعات الاخيرة، محطة مفصلية، ليس المقصود بها الجيش وحده، بل ايضا رئاسة الجمهورية والحكومة. ومعالجة ما حصل، يتوقف عند الاطراف الثلاثة وليس عند الجيش وحده، لانه في نهاية المطاف يأتمر باوامر السلطة السياسية.