ما تريده اسرائيل لحزب الله شمال الليطاني
يشكّل لقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في فلوريدا، بالنسبة الى لبنان، موعدًا مفصليًّا، بين مرحلتي التهديدات الكبرى بضرب منشآت لبنانية وليس فقط منشآت حزب الله، وبين الاستيعاب الاميركي لما يقدمه لبنان من محاولات لتخفيف الضغط عليه، فلا تذهب اسرائيل الى الحدّ الاقصى من تهديداتها. وصار لبنان بذلك وكأنه معنيّ ليس بوقف الاعمال العدائية كاملة بل بتخفيف حجمها وحصرها في كلّ ما له صلة بمواقع الحزب وبعناصره.
ما ينتظره لبنان بحسب ما يصل من معلومات، ان اسرائيل تصرّ ليس فقط على شمال الليطاني كخطوات عسكرية، انما في ما يترك ذلك من أثر على وضعية حزب الله السياسية. فهل يبقى حزبًا سياسيًّا فحسب، ام يتلاشى تدريجًا بحسب وقائع تتطور تباعًا.وماذا يتطلب ثمن الانتقال الى هذه المرحلة من تسويات تتعلق بالداخل اللبناني وبالمنطقة.
هذه الانتظارات كلها لا تعني حزب الله. ورغم ان السؤال المركزي يتعلق بالحزب وموقفه من اعلان لبنان جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح، للانتقال الى مرحلة شمال الليطاني، الا ان الحزب لا يزال عند المربع الاول المتعلق بتطبيق اتفاق وقف النار. ولم ينتقل بعد الى المرحلة الثانية وهي سياسية قبل ان تكون عسكرية وامنية، لكن طابعها السياسي يختلف عن ذلك الذي ترصده اسرائيل او الولايات المتحدة، بالنسبة الى مستقبل الحزب.
واذا كان خصوم حزب الله لا يتعاملون مع الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، بمثل ما كانوا يتحسّبون لخطب الامين العام الراحل السيد حسن نصرالله، الا ان موقف الحزب، لا يحتمل التأويل، برفض تسليم السلاح رفضًا مطلقًا. لان حسابات الحزب تتعلّق وكما كانت حالها دومًا، بما يمكن ان ينتج من ترتيبات اقليمية تسمح باعادة تموضعه وباستعادة انفاسه.
ما حصل في جنوب الليطاني، يختلف في حيثياته عن شمال الليطاني، حيث يختلف موضوع السلاح، جذريّا عن تلك المتعلقة بالمنطقة الحدودية، التي تعنى بها اسرائيل وحدها، وحيث يقدر الحزب ان يعيد تشكيلاته على مرّ السنوات، كما حصل بعد عام 2006. اما شمال الليطاني وما هو مقصود منه، انما يتعلق بمستقبل الحزب كركيزة اساسية في الطائفة الشيعية، وكمكّون اساسيّ في التركيبة اللبنانية كاحد اطراف الثنائي الشيعي.وبالاخص كطرف مستمر في موقعه في المنطقة، ربطًا بايران.
يستوعب الحزب تمامًا ان دوره في المنطقة ضُرب خلال السنتين الاخيرتين، لكن ذلك لا يعني ان المشروع الاساسي او الوجود المنتشر في دول المنطقة، اصبح في خبر كان. ولعل الحزب استفاد من ايران في درس التمهل لسنوات طويلة في اعداد المستقبل السياسيّ والعسكريّ مجددًا. ويستفيد الحزب في ذلك من احتمالات تبدّل المشاريع الاميركية في المنطقة وتغيّر الترتيبات تارة مع ايران وتارة مع السعودية. واي ترتيب محتمل مع ايران قد يريحه ويحسّن وضعيته.
لكن الاستفادة الاكبر التي يعوّل عليها الحزب هي في ادارة الداخل اللبناني للازمة الراهنة الناشئة عن مرحلة ما بعد الانتهاء من جنوب الليطاني. فالعهد والجيش يتعاطيان بغير اسلوب القوى المناهضة للحزب، اما الحكومة، فالتوازنات فيها لا تجعل الحزب يخشى اي خطوة غير مدروسة كمثل التي كانت تجرى سابقًا. والتعويل الاكثر جديّة هي ان الادارة الخارجية لملف لبنان قد لا تجد في نهاية المطاف سوى الحزب لتعقد معه ترتيبًا، بعدما اعطت الاخرين فرصة سنتين، من دون ان يتمكنوا من الاستفادة جديًّا في الضربات التي مُني بها الحزب على يد اسرائيل، ليثبتوا بذلك عجزهم امام العواصم المعنيّة بادارة ازمة لبنان.