لودريان وبرّاك : نظرة سلبية واحدة
يلتقي الموفد الاميركي طوم برّاك في توصيفه للمسؤولين في لبنان مع ما كان يقوله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان اثر زياراته المتكررة الى بيروت. كلاهما يتعاطيان مع لبنان من زاوية شخصية. وان كان الاول متحدّر من اصول لبنانية، الا ان الموفد الفرنسي يتحدث عن لبنان وكأنه لصيق به.
ما يبرز لدى الموفدين اللذين تعاطيا مع مسؤولين على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم في ادارة البلاد داخل السلطة وخارجها، انهما ينظران بحذر الى هؤلاء الذين لا يدرون ماذا يفعلون ببلادهم. لودريان يأس فعليا من مهمته التي لم توصل الى اي مخرج، وانصرف الى متابعة شؤون وكالة تنمية العلا. وما عزز انصرافه عن لبنان تراجع الدور الفرنسي في شكل عام، نتيجة الازمات التي تواجهها فرنسا داخليًّا، عدا عن اخفاقات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الملف اللبناني. الا ان برّاك لا يزال في مسؤولياته سفيرا لتركيا وموفدًا الى سوريا، ومن هذين الموقعين يحتفظ بتأثير واضح في الملف اللبناني. وهو لا ينفكّ يعطي رأيه السلبيّ تجاه اداء المسؤولين جميعهم من دون اسثتناء.
وفق هذه النظرة السلبية اياها، يمكن لواشنطن وفرنسا ان تطرحا السؤال نفسه، ماذا ستقدم الانتخابات النيابية من تغيير فعلي في لبنان؟ انطلاقا من سؤال آخر كيف يمكن للطبقة السياسية التي لا تزال موجود وهي المسؤولة عن تدهور اوضاع لبنان، ان تكون جزءًا اساسيًّا من الحلّ؟".
السؤال نفسه كان اجاب عنه ماكرون حين اتى الى لبنان بعد انفجار المرفأ، بتحميله اللبنانيين مسؤولية خياراتهم، وانهم هم الذين اقترعوا للمسؤولين اياهم. والواقع ان الانتخابات النيابية التي اتت بعد ثورة 17 تشرين، كان يفترض ان تحدث تغييرا فعليّا في المشهد السياسي. لكن الوقائع اثبتت العكس تماما، بفشل تجربة التغيريين، بعدما تماهى جزء لافت منهم – ان لم يكن جميعهم_ مع الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتها. عدا عن عودة القوى السياسية نفسها الى المشهد السياسي من دون تبدل في الخيارات السياسية.
والاستعداد للانتخابات المقبلة، يطرح امام المجتمع الدولي المعني بالتجارب"الديموقراطية" احتمال حصول تغيير في المشهد اللبناني، وما يصله من معلومات اولية لا يبشّر بالخير. والعواصم المعنيّة باتت تعرف اسماء المرشحين وتوزع القوى السياسية على الخريطة الانتخابية. والامر لا يتعلق فحسب بنظرتها الى احتمال تبدل المشهد الشيعيّ، ووصول معارضين لحزب الله. انما النظرة المشككة تتجه الى كل القوى السياسية وما يمكن ان ـنتجه الانتخابات من مجلس نيابي جديد. وهذه العواصم، لا يعنيها الخلافات المسيحية التقليدية، وماذا يتحقق مثلا من صراع بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، او احتمالات عودة تيار المستقبل الى العمل السياسي، او تقاسم الحصص بين كلّ من وليد جنبلاط وطلال ارسلان. بل ما يعنيها انتاج طبقة سياسية جديدة، لا تعيد الوجوه نفسها، والعائلات نفسها، والذين يتحملون فعليا مسؤولية ما وصل اليه لبنان.
ولأن لا تفاؤل لدى هذه العواصم، بان يحدث هذا التغيير، لا يوجد اي حماسة للدفع في اجراء الانتخابات وكأنها استحقاق مفصلي بين مرحلتين. واذا حصلت واُعيد انتاج المجلس نفسه، مع تغييرات طفيفة، فان على اللبنانيين ان يكّفوا عن طلب المساعدة من اجل نقل بلادهم من مرحلة الى اخرى، وليتحمّلوا هم نتيجة خياراتهم.
وهذا كلام يقال يوميا في دوائر القرار في اكثر من عاصمة.