قرار الشورى لعام 2024 مُلزم في توزيع الخسائر المالية

قفز النقاش المالي فوق القانون، والذي أثير أخيرًا على خلفية زيارة وفد صندوق النقد الدولي، لجهة مستحقات المصرف المركزي من الدولة وقوامها 16.5 مليار دولار كانت اقترضتها عام 2008 في عهد حكومة الرئيس السنيورة بالليرة اللبنانية وسحبته بالدولار في حينه. ويأخذ هذا النقاش جدلًا واسعًا حول كيفية احتسابه في وقت شاع خلال الأزمة المالية التعامل باللولار. ويأتي هذا الجدل في ظل ما تردد ان قيمة قرضه للبنان لا تتيسر بإزاء قيمة ما إقترضته الدولة من المركزي.
وسبق لصندوق النقد الدولي ان طلب من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلغاء ديون مصرف لبنان تجاه المصارف بالعملة الأجنبية لقاء مساعدة لبنان. ثم كان قرار لمجلس الوزراء في2022/5/20 بالموافقة على كل من إستراتيجية النهوض بالقطاع المالي، والتي اوجبت إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، بهدف تخفيض العجز برأس مال المصرف المركزي، بعدما تبين من التقديرات الأولية ان رأس المال السلبي المتراكم في المركزي يزيد عن 60 مليار دولار. جرى الطعن بهذا القرار الحكومي من جمعية المصارف امام مجلس شورى الدولة لأنه في نظرها يلغي الودائع. واصدر مجلس الشورى في السادس من شباط 2024 ، قراره بإبطال القرار الحكومي، محددًا المسؤوليات التي وزعها بالتوازي على المصارف والمصرف المركزي والدولة.وإعتبر ان مضي القرار الحكومي بهذا المنحى يخالف الدستور الذي يحمي الملكية الفردية الخاصة، كمايخالف قانون النقد والتسليف، وارتكز إلى مبدأ مفاده ان ودائع الناس هي ملكية خاصة اودعتها المصارف في المصرف المركزي، الذي لا يزال الى اليوم ينشر ميزانيته وتتضمن حقوق المودعين، بحسب مصادر قانونية.
وتضيف "نفهم ان صندوق النقد الدولي لا يمكنه ان يسلف لبنان أموالًا هي بمثابة دين، لكن تحقيق مطلبه يعني تصفية اموال لبنان بإلغاء أموال المودعين وبيع أملاك الدولة لتسديد هذا الدين، ما يعني في الوقت نفسه إعدام الثقة بالمصارف وعدم إحترام الملكية الخاصة التي شكلت ركيزة أساسية لبناء أزدهار لبنان بحمايتها من القضاء وقانون النقد والتسليف الذي يمنع مصرف لبنان تديين الدولة فلسًا". ويعني ذلك الحكم على هذا الدين بالإعدام ومخالفة الدستور والقانون بلسان قرار مجلس الشورى الملزم للحكومة ومجلس النواب. والذهاب غير ذلك، في رأيها، سيكون ما يمكن ان يقره مجلس النواب في هذا الإتجاه عرضة للإبطال من المجلس الدستوري لمخالفته الدستور.
ويشير قرار مجلس الشورى إياه ألى أن الدولة خالفت قانون النقد والتسليف الذي يمنع عليها الاستدانة من المصرف االمركزي ويلزمها بتغطية أي خسائر يتكبدها مصرف لبنان، من الإحتياط العام او بدفعة موازية من الخزينة. وفي السياق أورد القرار أن المصرف المركزي هو مصرف القطاع العام،وحرَّم المشترع من حيث المبدأ على الحكومة الاقتراض منه إلا ضمن حالات وشروط محددة بينتها المادة 91 من قانون النقد والتسليف، فيما اوجب عليها في حالة عجز المصرف المركزي بتغطية الخسارة من الاحتياط العام أو بدفعة موازية من الخزينة.
وبالنسبة الى المصارف أكد قرار الشورى أن الوديع مسؤول عن الوديعة لجهة حفظها وردّها عند الطلب إليه ومن دون أي تأخير ويُمنع عليه إستعمالها او التصرف بها من دون إذن من المودع، كما يُعتبر المصرف مسؤولًا عن هلاكها. واوجب قانون النقد والتسليف عليه ان يراعي في إستعمال الأموال التي يتلقاها من الجمهور القواعد التي تؤمن صيانة حقوقه، وان يوفق بصورة خاصة بين مدة توظيفاته وطبيعة موارده.
أما بالنسبة الى الدولة ،فمعلوم لدى الكافة، بحسب القرار،أنها انتهجت خلال الفترة الزمنية السابقة سياسة الاقتراض من مصرف لبنان لتمويل مرافقها العامة، ورواتب القطاع العام، إذ إستدانت من مصرف لبنان بين عام 2110 وعام 2021 مبلغ 62 مليار دولار وفق تصريح الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، حيث أدت هذه السياسة إلى إلحاق خسائر ضخمة في ميزانية مصرف لبنان، ما يخالف الأحكام القانونية ولاسيما المادتين 90 و113 في قانون النقد والتسليف، حيث حرص المشترع من خلال هذا القانون إلى الحفاظ على القطاع المصرفي والمالي في لبنان، وإلى ضمان إستقراره وإزدهاره من خلال حظره على المصرف المركزي إقراض القطاع العام إلا ضمن ضوابط محددة،وفرضه على الحكومة تغطية أي عجز لاحق بميزانية المصرف المركزي من الاحتياط العام او من الخزينة.