خريطة انتخابيّة أوليّة لطرابلس والمزاج السنيّ: عناصر تغيير وتأثير سوريا ومواجهة حزب الله

خريطة انتخابيّة أوليّة لطرابلس والمزاج السنيّ: عناصر تغيير وتأثير سوريا ومواجهة حزب الله

يسود الترقب المشوب بالقلق الموقف السياسي العام في طرابلس والشمال إزاء تطورات المنطقة، ذلك أن ثمة مناخا متصاعدا، خصوصاً بين النخب والشرائح السنيّة بأن الحرب على حزب الله آتية وان انعكاساتها ستكون كبيرة، على المشهد السياسي الداخلي.

وتقول مصادر مطلعة بأن الحرب ان وقعت ستعيد تشكيل المشهدين الانتخابي والسياسي في لبنان وفي الشمال تحديدا، وتشير الى ان اصرار حزب الله على التمسك بسلاحه سيجلب حربًا عليه عاجلًا ام اجلًا. وتضيف ان الحزب الذي مُني بخسارة كبيرة في الحرب الأخيرة قد يخسر ما تبقى من قوته العسكرية في اي حرب مستقبلية بسبب التفاوت الكبير في موازين القوى بينه وبين اسرائيل، مما سيفقده الهيمنة على الحياة السياسية في الداخل اللبناني، وسيجبره على التحول إلى حزب سياسي فقد هالته. وبالتالي لن يكون في إمكانه الوقوف في وجه الدفع نحو إقرار قانون انتخابي جديد، يتماهى مع مندرجات اتفاق الطائف. ويرتكز على المحافظة كدائرة انتخابية وفق نظام أكثري لا نسبي، ما سيؤدي إلى إنتاج نفوذ جديد ومختلف عن الحقبة السابقة في المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية، ويغيّر توجه الدولة وآليات صنع قرارها الاستراتيجي والسياسي، ويتماهى مع التوجه العربي لدعم لبنان والمناخ الدولي الراهن. ذلك أن القانون الأكثري سيساعد القوى المعارضة لهيمنة حزب الله على الفوز في الانتخابات، والسيطرة على القرار عبر تحالف سني _ماروني – درزي ، يرتكز على القوى السنية المعارضة للحزب والقوات اللبنانية، والقوى السيادية، والحزب التقدمي الاشتراكي.

سلام ناخب جديد 

وتظهر نقاشات داخل صالونات سياسية لديها اطلاع واسع على المزاج الشعبي الطرابلسي أن رئيس الحكومة نواف سلام سيكون ناخباً مؤثراً، بل حتى قاطرة انتخابية في طرابلس وعموم الدوائر ذات التأثير السني، "نتيجة مواقفه السياسية السيادية الجريئة" التي يتفاعل تأثيرها في الوجدان السني في شكل يزداد نموًا، لانه يتخذ مواقف متقدمة وحاسمة ضد هيمنة حزب الله على قرار الدولة، ويثبت عليها في وجه كل الحملات القاسية والضغوطات الهائلة.

تأثير هذه المواقف يسهم في دفع المزاج السني نحو الخروج من حالة الانكفاء التي سادت في السنوات الأخيرة، الى الإقبال على المشاركة في العملية الانتخابية بدافع ثأري عاطفي مصحوب بنشوة النصر في سوريا.

ويشير متابعون إلى أن النائب التغييري السابق الدكتور رامي فنج قد يستفيد من هذه التحولات، اذ لا يزال حاضرا في المناخ التغييري الناقم على "المنظومة السياسية"، بخاصة الفئة الشبابية. ويعتبرون أن ترشح فنج على لائحة النائب أشرف ريفي، سيرفع من حظوظه في الفوز ، وان مزج المناخ التغييري بقدرة ريفي على تحريك الكتلة الصلبة من الشرائح السيادية والمحافظة، وخصوصًا عند الطبقة الوسطى، سيساهم في رفع نسب الاقتراع الهزيلة التي سجلت في الاستحقاقات الأخيرة.

ويبدو لافتا نشاط النائب السابق مصباح الاحدب الذي اسس مع نخبة من المحامين والمثقفين "ائتلاف السيادة والعدالة الانتقالية" معززا من حضوره على الساحة الوطنية والطرابلسية، لا سيما بعدما اعلن الائتلاف ادعاءه على بعض الأجهزة الأمنية لمخالفتهم قرار رئيس الحكومة، مما يشكل خطوة متقدمة في مسار تحرير قرار الدولة وعودة مؤسساتها للعمل تحت كنف الدستور والقانون.

والأمر عينه ينسحب على القوات اللبنانية التي صار لديها حضور فاعل. فخلال السنوات الأربع الماضية تمكنت من إحداث خرق على الساحة الطرابلسية، وعملت على مراكمته من خلال الحفاظ على تواصلها مع شرائح المدينة لتعزيز انسجامها مع المزاج العام. ويحفظ الطرابلسيون في ذاكرتهم أن القوات كان لديها موقف ثابت وواضح من كل المسائل الحساسة بالنسبة إليهم، وفي طليعتها قضية الموقوفين الإسلاميين، والاعتقالات التعسفية لبعض رموز المجتمع.

نواب الماكينات الانتخابية والخوف من المزاج السني

في المقابل، يسيطر الخوف على نواب الماكينات الانتخابية لمعرفتهم بمعنويات الناخب السني المرتفعة، وخروجه من حالة الاحباط التي رافقته لعقود بفعل التنازلات الكبيرة التي قدمت على حساب الوجود السني في مؤسسات الدولة، وأنه حين يوضع المال مقابل القضية، يميل ميزان الناخب نحو القضية على حساب أي شيء آخر. وكما مال صوت السنة في استحقاق 2009 بدافع الثأر من 7 أيار، فإنه سيميل إلى التصويت في الانتخابات المقبلة بدافع الثأر من كل ما انتجته الحقبة السابقة المتصلة بوصاية النظام السوري السابق.

وحده النائب فيصل كرامي من فتح المعركة الانتخابية مبكرا، فكثف إطلالاته الإعلامية ورفع سقف مواقفه السياسية مخاطبا ودّ المملكة العربية السعودية، لأسباب تتصل بإثبات أن حضور البيت الكرامي في المعادلة السياسية الطرابلسية لا يرتبط بعوامل ظرفية وتحالفات فرضتها طبيعة التوازنات في لبنان والمنطقة.

وحسب مراقبين مطلعين، فإن الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة جذريا، لعوامل عدة منها: انعكاس التغيير في سوريا على الداخل اللبناني، حيث ستكون دمشق الجديدة ناخباً فاعلاً بقوة كما لو كان ( رئيس جهاز الاستخبارات السوري السابق) غازي كنعان حاضراً في عزّ تأثيره، إنما هذه المرة  لصالح القوى السيادية، بفعل الدافع المعنوي، في مواجهة حلفاء النظام السوري السابق.

يضاف إلى ذلك أن المناخ الشبابي الذي كان له الدور الأكبر في وصول التغييريين إلى البرلمان، لا يزال يسير بنمط تصاعديّ مع دخول شرائح جديدة بلغت السن القانونية للاقتراع. هذا المناخ تسوده حالة من عدم اليقين بالنسبة الى سياسيين، حيث يصعب تأطيره وضبط انحيازاته في ظل عدم وجود نظام سوري " مرهب" ، كما ان التحولات الحاصلة في المنطقة قد أعطته دفعًا قويًا لإحداث تأثير مستقلّ عن الدوائر السياسية التقليدية.

ورغم أن العامل السوري لن يكون معنويًا فقط، اذ لن تأتي باصات مجنسين لدعم الحلفاء كما كان يحدث في الاستحقاقات الانتخابية. إلا أن المراقبين يؤكدون على تأثيره المعنوي الحاسم في العملية الانتخابية، من خلال تحفيز الناخب السني على الإقدام نتيجة شعوره بأن ظهره محمي من قوة يشترك معها في الكثير من الخصائص وعناصر الهوية، ما يخلق دافعًا ثأريًا للانتقام من الحالة القديمة التي كانت سائدة.

اقرأ المزيد من كتابات عبد الكريم فياض