عكار: عودة طوعية للنازحين السوريين مقابل موجة نزوح جديدة

عكار: عودة طوعية للنازحين السوريين  مقابل موجة نزوح جديدة

منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد ربيع عام 2011، تحولت البلدان المحيطة بسوريا إلى مراكز لاستقبال ملايين النازحين. وفي لبنان، استقبلت عكار بحكم التقارب الجغرافي والديموغرافي أعداداً هائلة تفوق الأرقام الرسمية، حتى أنها أصبحت تعد حاضنة للنازحين، خصوصا مع وجود صلات عائلية، وما تشتهر به من طابع قروي مضياف.

بعد سقوط نظام الأسد، وعلى وقع التغيير السياسي، حصلت عودة طوعية لافتة للنازحين إلى ديارهم، في شكل يتجاوز بكثير الأرقام المتداولة.  الا ان اللافت ان الرجال والشبان، من معظم العائلات المسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي عادت إلى سوريا،  لا يزالون يدخلون الى لبنان عبر المعابر غير الشرعية للعمل وتجديد ملفاتهم والحفاظ على استدامة مخصصاتهم من الامم المتحدة.

تزامنا، شهدت قرى عكار ذات الغالبية العلوية المتاخمة للحدود موجات نزوح جديدة لآلآف العائلات من الساحل السوري، كانت مقربة من نظام الأسد، ونزحت خوفا من النظام الجديد، لتبقى عكار حاضنة للنازحين وان تبدلت هوياتهم المذهبية.

وادي خالد: من أصل 45 ألف عائلة لم يبقَ إلا 1000 عائلة

يتألف وادي خالد من نحو 22 بلدة، تقطنها عشائر لديها جذور متصلة بالجانب الآخر من الحدود، وتصل امتدادات هذه العشائر إلى ما هو أبعد من سوريا. فالتداخل العائلي، واعتياد أهل المنطقة الدخول والخروج إلى سوريا منذ عقود، كانا من أبرز العوامل التي جعلت منطقة الوادي من أكثر المناطق استقبالاً لتدفقات النازحين خلال سنوات الثورة والاضطرابات في سوريا.

احمد الشيخ

يقدر أحمد الشيخ، رئيس بلدية العماير في الوادي سابقاً، وأمين عام تجمع العشائر راهناً، عدد العائلات التي نزحت إلى وادي خالد منذ بداية الثورة في سوريا بـ "نحو 45 ألف عائلة، ينتمون بغالبيتهم العظمى إلى مناطق وبلدات ريف حمص الغربي. لكن،  ومع انحسار تقديمات الهيئات والمنظمات الأممية  في  عام 2020، رحلت الكثير من العائلات في اتجاه مناطق أخرى في الداخل اللبناني، وبقي في الوادي ما يقدر بـ20 ألف عائلة".

ويبين الشيخ أن الوضع اختلف بعد انهيار النظام السابق، ووصول نظام جديد إلى الحكم في سوريا "فقد عادت غالبية العائلات إلى وطنها في شكل طوعي، وبقي في الوادي نحو 1000 عائلة فقط"، ويستطرد: "أرباب هذه الأسر أعادوا عائلاتهم، فيما رجعوا هم إلى لبنان".

ويكشف بأن هؤلاء مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة ولا يزالون يحصلون على مخصصات منها، وهذا يعدّ دافعهم الأساسي للتنقل الدائم بين لبنان وسوريا، فهم يدخلون بسهولة عبر المعابر غير الشرعية المنتشرة بكثافة على طول الحدود، لا سيما في منطقة وادي خالد.

ويشير الشيخ إلى أن "الجيش اللبناني يلاحق بانتظام أولئك الذين يدخلون خلسة، وينفذ يومياً العديد من العمليات، ويقوم بتوقيف مئات المخالفين ويعيدهم إلى الحدود السورية، بسبب اكتظاظ السجون اللبنانية وعجزها عن استقبال المزيد، لكن ضعف التنسيق الرسمي مع السلطات السورية يسهل على هؤلاء دخول لبنان، من جديد، في اليوم نفسه".

البيرة: عاد ثلثا النازحين

الحال عينه أيضاً في بلدة البيرة، التي تعدّ من البلدات الكبيرة، وكانت محطة بارزة في استقبال موجات النازحين. يقول الحاج أحمد وهبي، رئيس رابطة العائلات الاجتماعية، "كان في البلدة  ما بين 8000 و 8500 عائلة، تنتمي إلى القرى والبلدات القريبة من الحدود، مثل تلكلخ والقصير والحصن وحمص، عاد منهم نحو الثلثين، أي نحو 6000 عائلة، خصوصا مع الإجراءات التي اتخذتها الدولة اللبنانية لتشجيعهم على العودة الطوعية"، فقد أعلن الأمن العام اللبناني عن تقديم تسهيلات للنازحين السوريين، وكذلك للفلسطينيين اللاجئين في الأساس إلى سوريا، قضت بإعفائهم من أي رسوم أو غرامات حال مغادرة البلاد عبر المراكز الحدودية البرية في الفترة بين أول تموز ونهاية شهر أيلول الجاري، حتى ولو كانوا قد دخلوا البلاد بصورة غير شرعية، ومهما بلغت مدة المخالفة."

احمد وهبي

ويبين وهبي أن معظم العائدين إلى سوريا أعادوا عائلاتهم، فيما رجع أرباب هذه الأسر إلى لبنان من أجل العمل، أو الحرص على استمرار الحصول على مخصصات من مفوضية الأمم المتحدة. وحسب أحاديث مع هؤلاء ومتابعة ميدانية يومية، يقول وهبي "أكثرية الرجال الذين عادوا إلى لبنان  لديهم منازل في سوريا في حاجة إلى ترميم، لذلك يفضلون العمل في لبنان لتأمين المال المطلوب لإجراء الترميمات، في حين أرسلوا أسرهم إلى سوريا لتسجيل الأولاد في المدارس الحكومية بالدرجة الأولى".

يضيف وهبي: "اما الثلث الذي لم يعد، فجزء منهم فتح متاجر في لبنان وصار لديه مصالح، وبعضهم اشترى أراض، فيما الجزء الآخر لم يعد لديه منازل في سوريا بعد أن تعرضت للتدمير، ووضعه المالي سيء جداً". ويكشف أنه لم يعد يوجد في البلدة سوى عدد محدود جداً من النازحين، كما أنها لم تكن محطة في موجات النزوح الجديدة التي حصلت.

المسعودية تستقبل موجات نزوح جديد.

هي قرية في سهل عكار ذات طابع علوي، وتعود جذور رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور  إليها. يبين رئيس البلدية علي العلي بأنها "استقبلت نحو 6500 عائلة منذ سقوط نظام الأسد ومن بعدها أحداث الساحل السوري. في حين أن العدد الإجمالي يقدر بـ 40 ألف عائلة. غالبية هذه العائلات توزعت لاحقا على قرى سنية ومسيحية، وعلى مناطق أخرى حتى خارج محافظتي عكار والشمال، لأسباب تتنوع ما بين نقص الموارد ومحدودية السعة الاستيعابية، بالإضافة إلى البحث عن عمل. وبقي في البلدة ما يقدر بـ1200 عائلة".

رئيس بلدية المسعودية

ويلفت العلي إلى تراجع وتيرة النزوح في الفترة الأخيرة، اذ لم تسجل السلطات المحلية أي موجة تدفق جديدة، لكن البلدة تواجه معضلة، فـ" صناديق البلديات في الأصل شبه خاوية، ولا تستطيع النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقها، في حين أن الرعاية الصحية والاجتماعية لموجات النازحين الجدد محدودة للغاية، وتقتصر على مواد غذائية  ولوازم التنظيف". وهذا ما دفع بالعلي إلى رفع الصوت للمطالبة بدعم البلدية كي تقوم بواجباتها تجاه المقيمين والنازحين على حد سواء، رغم أنها تواجه عقبات جمة، حتى على صعيد جمع النفايات.

ويشير العلي إلى أن الدافع الأساسي وراء موجات  النزوح الجديدة هي "حصول عمليات انتقام ذات طابع مذهبي، لأن غالبية العائلات النازحة تنتمي إلى الطائفة العلوية، مع وجود عائلات شيعية وحتى سنية كان أبناؤها موظفين في مؤسسات الدولة زمن النظام السابق، وبدرجة أساسية في الجيش والشرطة".

ويكشف العلي بأن بلدة المسعودية استقبلت مجموعات من النازحين خلال سنوات الأزمة في سوريا، يقدر عددها بنحو 400 عائلة، عاد نصفها إلى موطنهم في شكل طوعي على وقع تغير النظام السياسي، في حين أن النصف الذي بقي إما لديهم أعمال ومصالح، وإما يحصلون على مخصصات من مفوضية الأمم المتحدة".

اقرأ المزيد من كتابات عبد الكريم فياض