حزب الله يفاضل بين التحرك المصري والتشدد الاميركي
يعتقد لبنان الرسمي ان زيارة البابا ليون الرابع عشر الى لبنان نهاية الشهر الجاري، هي السقف الذي لا بدّ ان تلتزم به اسرائيل، من اجل عدم تحويل التهديدات الاسرائيلية افعالًا كتلك التي جرت قبل عامين قبل وقف النار وحتى بعده.
التعويل على رسم حدود دولية لزيارة البابا وعدم تخطي اسرائيل للخطوط الحمر، قد لا يصحّ دومًا، في الحسابات الاسرائيلية، حتى لو كان المقصود تحميلها المسؤولية عن تعطيل زيارة البابا. من دون ان يعني ذلك ان اسرائيل مُقبلة حكمًا على شن حرب واسعة. ففي الحسابات الاسرائيلية والاميركية، ما يحصل اليوم يشكل وجهًا آخر، للمعركة بين اسرائيل وحزب الله، باشكال مختلفة عما سبق للحزب ان تعرّض له، خلال الحرب وبعدها.
المفهوم الجديد للضربات العسكرية يهدف الى " تعرية" ما دأب لبنان على تسميته نجاحًا عسكريًّا في تنظيف جنوب الليطاني. تماما كما كان لسان حال اسرائيل مع القوات الدولية – ولا سيما القوة الفرنسية- التي حملّتها جزءا كبيرًا من المسؤولية في عدم تطبيق القرار 1701 من جهة لبنان. ما سمح ببناء حزب الله قدراته العسكرية منذ عام 2006، لا سيما الانفاق والمراكز العسكرية ووصول السلاح الى منطقة الحدود بين لبنان واسرائيل تحت انظار القوات الدولية.
والمفهوم العسكري للضربات ليس معزولًا كذلك عن واقع الضغط السياسي الذي تمارسه واشنطن، في المجال المتعلق بالاموال وحركة نقلها، الى حزب الله، انطلاقا من الصياغة التي اعتمدتها وزارة الخزانة الاميركية، والموفدين الاميركيين الى بيروت، في السعي الى تطويق اعادة الحزب بناء قدراته المالية وتجفيفها، في كلام يعد الاكثر وضوحًا.
وبين هذين الحدّين، يصبح الكلام عن التفاوض ضربًا من العبث، لان حزب الله يقع تحت ضغط مزدوج مالي وعسكري. والنقطة الاكثر اهمية تكمن في السؤال، الذي يتمحور حوله النقاش اللبناني، حول مدى ثقة حزب الله، بالمفاوضين الذين يمكن ان يركن اليهم في اي تفاوض.
تختلف صورة اي اتجاه تفاوضي حالي عما حصل سابقًا، من اتفاقات ومنها القرار 1701. ورغم كل ملاحظات حزب الله على الرئيس فؤاد السنيورة الا انه كان اعطى مساهمة فعّالة في التوصل الى وقف النار، وهو ما اراح الحزب حينها. اضافة الى الدورين القطري والفرنسي اللذين جعلا الحزب اكثر اطمئنانًا الى عدم وجود من يطعنه في الظهر. عدا عن وجود حال عربية ولبنانية كانت تحتضنه ازاء القصف الاسرائيلي المدمّر. اليوم الامر مختلف، لان فرنسا غارقة في ازماتها واسرائيل لا تتعامل معها بوصفها وسيطًا مقبولًا. اما قطر فبعد الضربة التي استهدفتها اسرائيل، ورغم دورها في اتفاق غزة، الا انها تبدو مكبّلة امام الدور السعودي في لبنان وسوريا. والسعودية بطبيعة الحال، غير معنيّة بايجاد تسوية للحزب تريحه على المدى الطويل. الامر الذي ابقى الباب مفتوحا امام الدور المصري كوسيط مقبول. علمًا ان التدخل المصري جاء على خلفيّة التنسيق مع واشنطن في ما خص اتفاق غزة، ونقل رسالة تحذيرية الى لبنان اكثر منه وساطة بالمعنى المتعارف عليه عادة. ولم يُعرف سابقا عن علاقة جيدة بين مصر وحزب الله، لا العكس تماما، بعد اكتشاف خليّة للحزب في مصر عام 2009. ورغم زيارة وفد من الحزب مصر للتعزية بوفاة محمد حسنين هيكل، عام 2016، الا ان الاطار السياسي لم يتطور تبعًا لذلك، رغم الكلام حينها عن لقاءات سياسية اجراها حزب الله مع مسؤولين مصريين.
في الاونة الاخيرة وخلال حرب لبنان كانت مصر عبر قنوات جانبية تفتح علاقات مع الحزب، لكن ذلك لم يتطور الى حوار مباشر، الى ان جاءت الرسالة المصرية الى بيروت. لكن السؤال يبقى الى اي مدى يثق حزب الله، بمصر كوسيط؟ ام ان اقفال الابواب في وجهه وضعه امام خيار وحيد.فازاء التشدد الاميركي الضاغط، قد لا يكون امامه سوى مصر، لتفتح امامه نافذة خلاص ظرفيّ ليس اكثر.