حزب الله : عام من دون نصرالله

الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله
في الاسابيع الاولى للأنفجار الذي أودى بحياة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لم يكن الدخول الى الضاحية الجنوبية، امرًا يسيرًا، في ظل جولات العنف اليومية. حجم الانفجار وشكل الحفرة يوم بدأ الناس يتهافتون الى المكان، دلّ على قوة القصف الذي اغتالت اسرائيل بواسطته نصرالله. كان المكان مغمورا بالركام ويعجّ بالزوار، وفي الايام الاولى لم تكن عناصر الحزب متواجدة بالقوة ذاتها على الارض بمعنى الانتشار الواسع كما كانت الحال قبل الحرب، في الضاحية او في الجنوب من صور الى بنت جبيل وقرى استهدفتها اسرائيل تباعًا. ولم تكن اجراءات الحزب الاعتيادية في اماكن تواجده، نشطت بعد الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب في مسؤوليه وكوادره وقطاعاته العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية.
كان اغتيال نصرالله الحدث الاول بهذا الحجم الذي يطاول الحزب، لكنه فعلا ليس الاول وليس الاخير في تاريخ استهداف اسرائيل لامناء عام الحزب : الامين العام عباس الموسوي اغتالته اسرائيل في 16 شباط عام 1992، والامين العام الثاني بعد نصرالله السيد عباس صفي الدين في 3 تشرين الاول عام 2024.
لكن وقع اغتيال نصرالله على الحزب، ظل الاقوى. عليه وعلى حلفائه وخصومه. ثمة مشاهد عدة تختصر قراءة التحولات التي جرت خلال عام.
لا يمكن فصل التحول بين حزب الله والثنائي الشيعي. لان انعكاس الاغتيال طال في شكل اساسي الثنائي، واعاد الى المشهد السياسي دور الرئيس نبيه بري على الساحة الداخلية والخارجية والشيعية. لا شك ان عامل الوراثة السياسية في الثنائي كان دائما يتوقف عند شخصي بري ونصرالله ومن سيكمل مسيرة الآخر. جاء الاغتيال ليرسم لبري دورا مضاعفا في مسؤولية حماية الطائفة الشيعية من تبعات ما بعد الاغتيال، واستمرار اسرائيل في استهداف البنية التحتية للحزب والجنوب الذي لبري دور فاعل في انمائه. ولا شك ان عامًا كاملًا حصد فيه بري من موقعه استحقاقات مضاعفة، سواء في تخريج انتخابات رئاسة الجمهورية ووقف النار وتبعات وقف الاعمار وما تلاه من استحقاقات لا يزال يواجهها في محاولة تحييد البيئة الشيعية عن الاحتمالات التي تواجهها في ظل التضييق عليها. كما سعيه المستمر الى التخفيف " من الخسائر" والخروج بالاقل منها.
لدى الحزب، الامر مختلف لان الاصابات كانت مباشرة في مسلسل الاغتيالات من الطواقم والكادرات والمسؤولين على اختلاف مستوياتهم ومهماتهم . ولا شك ان المرحلة الاولى شهدت تضعضعًا بين المشهد السياسي والعسكري. وكان واضحا ان سياسة التعتيم على كل ما شهدته اروقة الحزب، من نقاشات وتأثيرات الداخل وايران والحصار المستمر، فرضتها ظروف الحرب ومن ثم استعادة الانفاس بعد وقف النار، واستعادة الحضور على الارض.
وقف النار بذاته كان مشكلة بين الرأيين العسكري والسياسي. والاخير كان لبري دور حاسم فيه. لكن القاعدة العسكرية لم تكن مرتاحة الى هذا الاتفاق. ومع ذلك، كان استيعاب الاستهداف الاعلى بالنسبة الى الجسم العسكري هو الاهم. ما استوعبه هذا الجسم بسبب اغتيالات القادة وتفجيرات البايجر، امر مختلف بدرجاته عن امتصاص صدمة اغتيال نصرالله. ورغم تسلم الامين العام الشيخ نعيم قاسم المهمة واستعادة النواب والقادة حضورهم الاعلامي تباعا ودورهم السياسي في اعادة تظهير موقف الحزب من الاستحقاقات المتتالية، لم يعد الحزب خلال 12 شهرا، وقبل تشييع نصرالله كحدث، وبعده، هو نفسه ما قبل الاغتيال. لكن الحزب وبعد استيعاب الصدمات الاولى، بدأ اعادة تكوين نفسه، وترتيب الاولويات في بناء ما تهدم داخليا على مستوى التدريب والتأهيل لجسم اصيب اصابات مباشرة. خلال سنة تقدم عمل الحزب في نواح عسكرية وامنية وسياسية في التقاط ما كان بدأ ينفرط عقده في المشهد الداخلي. من دون التقليل من اهمية التعقيدات والصعوبات في ترميم بنيته بفعل الحصار عليه والمتغيرات التي طالت سبل الامداد. الا ان ذلك لا يعني ان الحزب عاد على المستوى الذي كان عليه سابقا، فيما اسرائيل مستمرة في استهدافه يوميا لا سيما محاولته اعادة بناء مواقعه في جنوب الليطاني.
سياسيًا، بدأ الحزب يستعيد تدريجا الامساك مجددا ببعض تفاصيل اللعبة السياسية من دون التخلي عن دور بري. وما جرى في جلسة مجلس الوزراء حين اقرت خطة الجيش، دلّ على انه فعّل حيويته السياسية، ليتحكم بتفاصيل داخلية، فلا ينسحب تحت وطأة الضغوط، لا بل يمتّن تحالفاته الداخلية ليتقدم خطوة خطوة.
تبقى تأثيرات عامٍ على اغتيال نصرالله على خصومه وحلفائه.
فحلفاء الحزب هم ايضا طالتهم المتغيرات. لا سيما انهم اصيبوا بنكستين، اغتيال نصرالله وسقوط النظام السوري وخروج الرئيس بشار الاسد الى روسيا. هذه المتغيرات كانت اكبر مما يتحمله حلفاء الحزب الذين بنوا مواقعهم السياسية منذ التسعينات على الوجود السوري اولًا، ومن ثم صعود حزب الله كحليف لسوريا وايران. وهذا ليس سهلا استيعابه على كتل حزبية وشخصيات كانت تدور في فلك الحزب. خسارة سوريا كانت اقلّ كلفة، بسبب تراجع التأثير السوري في السنوات التي اعقبت الحرب في سوريا، لذا ظلّ الرهان على دور الحزب قائمًا وجاءت عملية الاغتيال مرادفة لاصابة مجموعة حلفاء الحزب باصابات مباشرة.
اما الخصوم، فكانوا امام مشهد رفضهم للحرب الاسرائيلية، من دون نكران ان التحوّل الكبير الذي اصاب الحزب كان يمكن ان يشكل عاملًا مساعدًا في عودة الحزب الى الداخل، من دون سلاح. وجاء انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم خطة حصر السلاح، لتشكل دفعة قوية الى مشروعية خصوم الحزب. ومع ذلك حدث ما فرمل هذه الاندفاعة، فلم يتقدم خصوم الحزب الى الامام، بعدما تداخلت عناصر عدة جعلت التسويات اقصر طريق الى تطبيع الوضع الداخلي، مهما حصلت متغيرات كبرى. كان يمكن لخصوم الحزب ان يقطعوا الخط الفاصل بين مرحلتين. ورغم تدخلات السعودية وواشنطن، بقي هناك حاجز يمنع خصوم الحزب من ان يسجلوا قفزة نوعية في اتجاه الافادة من كل المتغيرات التي حصلت.