حين يترك باسيل مقعده في البترون

النائب جبران باسيل
توّجه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للتخلي عن مقعد البترون النيابي، ليس لانه سيخسر في الانتخابات النيابية المقبلة، كما يقول معارضوه. ففوزه امر لا التباس فيه، بحسب من يتقن لعبة الانتخابات وتفاصيلها.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تخلى عن مقعده النيابي ورئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي لنجله تيمور. وتخلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه عن النيابة الى نجله طوني فرنجيه. ولم يدخل رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في دهاليز النيابة، ليبقى رئيسًا وقائدًا لحزب القوات. وباسيل بسلوكه هذا الاتجاه، يسعى الى ان يكرر تجربة القيادات الاخرى التي تنصرف الى معالجة الشؤون الحزبية "والوطنية" من غير الانشغال بكرسي النيابة، فيتحول بدوره زعيمًا يصنّع نوابًا ووزراء. وتكون له الكلمة الفصل في المشهد العام، ويتدخل عند الحاجة ، او في معظم الاحيان، كما يفعل جنبلاط وفرنجيه وجعجع عند الاستحقاقات الكبرى.
لكن في هذا المنحى العام ملاحظات ومحاذير.
لم يتخلّ الرئيس كميل شمعون او عميد الكتلة الوطنية ريمون اده او رئيس حزب الكتائب بيار الجميل، عن كرسي النيابة. كانت معارك الانتخابات النيابية بالنسبة الى هؤلاء الثلاثة ومثلهم الزعامات السياسية الاخرى من كمال جنبلاط الى رشيد كرامي وصائب سلام وكامل الاسعد وغيرهم، بمثابة حياة او موت في السياسة العامة. حتى اليوم لا يزال اهمّ ما يرُكن اليه في قراءة مرحلة بناء لبنان والسياسة الداخلية فيه، صفحات من تاريخ الانتخابات النيابية منذ السلطان سليم الى المكتب الثاني والحلف الثلاثي وصولًا الى آخر انتخابات نيابية جرت عشية الحرب اللبنانية.
طبعًا، كانت المجالس النيابية حينها من طينة اخرى، وكانت الزعامات السياسية تنطلق من قاعدة نيابية شعبية في الوصول الى المجلس وفي تمثيل الرأي العام، (وهنا المسيحي). حتى الرئيس ميشال عون سلك هذا الطريق، بعد عودته الى لبنان. وما فعله جعجع هو الحفاظ على التوازن بين تمثيل النائبة ستريدا جعجع لبشري، وبين قيادته لحزب القوات فلم يتخلّ عن واحدة من اجل اخرى، لان على هذه القاعدة تُبنى الزعامة على الطريقة اللبنانية من خلال الامساك بتفاصيلها المحلية. اما تجربة جنبلاط فمختلفة لان التحكم بالقاعدة الدرزية الموّحدة خلف زعيمها، امر مغاير تمامًا.
الاكيد ان تجربة الكتل النيابية في السنوات الاخيرة المنبثقة عن الاحزاب لم تكن تجربة ديموقراطية بالمعنى الواسع، بمعنى امساك رؤساء الاحزاب بنواب الكتلة تحت سقف الالتزام التام بوصايا الحزب وسياسته. وهذا الامر يعطي رؤساء الاحزاب والزعامات السياسية صلاحيات اكبر في الحياة الحزبية والسياسية. لكن في المقابل التخلي عن النيابة دونه احيانًا تفاصيل يوميّة، تتعلق بالحيثية الشعبية والعائلية والتماهي مع القاعدة الشعبية بدل الابتعاد عنها.
منذ الانتخابات الماضية وباسيل يفكر بترك المقعد النيابي، رغم ما مرّ به التيار من استحقاقات داخلية واستقالات، وما يمكن ان يشكّل مغامرة في التخلي عن مقعده لصالح مرشح آخر. لكن باسيل كذلك يحتاج الى اعادة الامساك بالتيار، واذا كان عون لا يزال يشكل بالنسبة اليه المظلة حاليا وهو يرافقه في جولاته الانتخابية، الا ان الانتقال بالتيّار من مرحلة الى اخرى، يتطلب من باسيل الجهد المضاعف. ناهيك عن ان التيار يخوض من موقع المعارضة للعهد استحقاقات كبرى في الابقاء على حصة نيابيّة وازنة في مقابل اندفاعة القوات اللبنانية، وان يبقي التيّار على اعلى مستوى تمثيل مسيحي. وان يحوّل باسيل البترون معقلًا سياسيًّا كبشري وزغرتا والمختارة، تحديًّا يفترض خطوات محسوبة بدقة، نظرًا الى تشابك الادوار العائلية والتقليدية، واختلاف المناطق المذكورة باختلاف تاريخها وحيثياتها.