هل تؤجل الانتخابات إلى ما بعد "الطائف 2"؟

هل تؤجل الانتخابات إلى ما بعد "الطائف 2"؟

ضمن الصخب المتصاعد حول سلاح "حزب الله"، وخلف الخطاب التصعيدي لأمين عام الأخير، الشيخ نعيم قاسم، وقوله "لا نسلّم السلاح لا للأميركي ولا للإسرائيلي"، ثمة باب مفتوح للتسوية، أو للبحث عن مخارج مقبولة من الأطراف الفاعلة.

في الواقع، يدرك الحزب أن القرار الدولي بإنهاء سلاحه لا مجال للمفاوضة عليه، وأنه لن يدخل إلى لبنان أي تمويل ولن تحصل عملية إعادة الإعمار قبل الانتهاء من مسألة السلاح. ويدرك الحزب أيضاً أن المنطقة برمتها مقبلة على مشروع اقتصادي ضخم، عماده النفط والغاز، عرابه الأساسي الولايات المتحدة الأميركية، يمتد من "بانياس" في سوريا، إلى "حيفا" في إسرائيل، ويمر بالشاطئ اللبناني. وما جرى من ترسيم للحدود البحرية، وتوقيع اتفاق بهذا الإطار بين لبنان وقبرص اخيرًا، يندرج ضمن هذا السيناريو الكبير برعاية واشنطن.

كل هذه المؤشرات تبين أن هوامش اللعبة باتت ضيقة للغاية أمام إيران، وتاليًا "حزب الله". وفي حال استمرار المكابرة والمعاندة، فإن كل المخارج اللبنانية التي يجري تقديمها تباعًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تعيين شخصية سياسية – ديبلوماسية على رأس الوفد المفاوض في "لجنة الميكانيزم"، لن تحول دون إقدام إسرائيل على تجريد "الحزب" من سلاحه، بضوء أخضر أميركي، بصرف النظر عن الأسلوب، أكان حرباً مفتوحة، أو محدودة، أو باستمرار استهداف قياداته. و"الحزب" نفسه أكثر من يعلم هذه المعطيات وجديتها.

تطوير الطائف برعاية خارجية

في ظل هذا الواقع المركّب والمعقّد يبدو أن ثمة مخرجًا يجري التداول به، اذ يكشف مصدر سياسي مطلع لموقع "كافيين دوت برس" عن وجود نقاشات جدية تدور حول "طائف 2". ولا يعني ذلك تغيير الاتفاق، بل تطويره ليصار إلى إنتاج مخرج دستوري مشرف لتسليم سلاح "الحزب" إلى الدولة اللبنانية.

ويكشف المصدر السياسي أن ألولايات المتحدة تسعى الى الإشراف على إدارة ثروات المنطقة من سوريا إلى إسرائيل، وهي مستعجلة على هذا المشروع، حتى أن لديها خططًا لكامل الساحل اللبناني، بما فيه الساحل من الميناء إلى القلمون في طرابلس، كما لديها مشاريع كبيرة في لبنان، و"الحزب" يعلم تمامًا أن الوقت ليس في مصلحته أمام الاستعجال الأميركي، وأن واشنطن ستفرض مشروعها تحت النار في حال لم يلتزم بتسليم سلاحه.

الجدير بالذكر أن "حزب الله" رفض الاعتراف بـ"اتفاق الطائف" حين توقيعه، وبعد إقرار المجلس النيابي للتعديلات التي وردت في "وثيقة الوفاق الوطني". واستمر على موقفه لسنوات طويلة. قبل أن يقدم اعترافاً موارباً بـ"الطائف" في "الوثيقة السياسية" التي أصدرها عام 2009، ضمن مساعيه لـ"لبننة" تنظيمه، وغلف موقفه الحقيقي بعبارات ملتبسة. بعيد تولي الشيخ نعيم قاسم الأمانة العامة، أكد على الشراكة في بناء الدولة القوية تحت سقف "الطائف"، بما يمثل اعترافاً من "الحزب" للمرة الأولى بالاتفاق بموقف علني.

وبالتالي فإن خطاب قاسم الأخير حول عدم تسليم السلاح إلى الأميركيين أو الإسرائيليين، يمثل خطوة إضافية من "الحزب" يفسح من خلالها المجال لتسليم سلاحه إلى مؤسسات الدولة الشرعية، لتكون بمثابة الباب المفتوح الذي يحاول أن يلج من خلاله إلى المعادلات الجديدة في المنطقة للتكيف معها.

ويبيّن المصدر أنه يجري الحديث مع أميركا والسعودية حول هذه الفكرة، والتي تشكّل مدخلاً لحل مشكلة سلاح "الحزب" ضمن الإطار الداخليّ. كما يبيّن أن عملية تطوير "الطائف" تشمل عدة نواحي، منها إقرار "اللامركزية الإدارية الموّسعة"، والتي تمنح شيعة الجنوب نوعاً من الضمانة في إدارة منطقتهم بما تحويه من ثروات غازية ضخمة، ومنها الذهاب إلى انتخابات تتماشى مع الطائف مما سيؤدي حكماً لتأجيلها، لأنها لن تحصل إلا وفق قانون يتماهى مع التقسيمات الإدارية التي أقرت في الطائف.

فنج: الانتخابات حاصلة

في المقابل، يرى النائب السابق وأحد قيادات قوى التغيير في لبنان، الدكتور رامي فنج، أن سلاح حزب الله بات في مراحله الأخيرة، وأنه سيصار إلى وضعه تحت كنف الدولة. ويبيّن أن التفاهمات الأخيرة مع الإدارة الأميركية هدفها تصحيح بعض الخلل الذي كان موجودًا في اتفاقية وقف إطلاق النار، وأن المهلة الممنوحة للبنان من واشنطن، كما زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، ترميان إلى تعديل الاستراتيجيّة المعتمدة من الجيش في سحب السلاح.

ويؤكد فنج أن "الانتخابات ستكون في موعدها، وربما يصار لتأجيلها إلى موعد أقصاه تموز المقبل تحت مسمّيات تقنية، كي ينتخب المغتربون ضمن دوائر نفوسهم على الأراضي اللبنانية، كتسوية وسطية". ويدلل على ذلك بالتعيينات في "لجنة الإشراف على الانتخابات"، واستمرار الإجراءات اللوجستية في مؤسسات الدولة تباعاً، وخصوصاً وزارتي الخارجية والداخلية. ويضرب المثل بالانتخابات البلدية التي كان يتم الحديث عن تأجيلها حتى قبل أسبوع من حصولها، ويعتبر أن بري سيطرح التسوية المشار إليها في وقت متأخر لاعتمادها.

إلى ذلك، لا يرى فنج أن الحكم الحالي بمختلف أطره الدستورية في صدد إجراء تطوير لمندرجات "الطائف" لأن "المطلوب في هذه المرحلة استنهاض الدولة لتكون دولة مؤسسات جدية، وهذا ما تقوم به حكومة الرئيس نواف سلام، وسيستمر هذا النهج في الحكومات المقبلة لإعادة الانتظام إلى المؤسسات. إلى جانب فقدان الثقة الدولية والعربية في الطبقة السياسية الحاكمة، ولذلك تغييرها من الإصلاحات المطلوبة خارجياً، حيث لن يصار إلى تمويل ومساعدة لبنان بوجودها لكونها سبب الانهيار الاقتصادي والمالي".

وفي هذا الصدد، يبين فنج أن "الحزب" يحصل على 60 مليون دولار شهرياً عبر قنوات كثيرة غير نظامية، الى جانب نسبة كبيرة من ال 300 مليون دولار شهرياً التي هي عائدات الدولة عبر نفوذ "الثنائي الشيعي" داخل دوائر ومؤسسات الدولة". ويؤكد أن الأموال التي ستمنح من الخزينة للمتضررين من الحرب الإسرائيلية "ستكون مخصصة لأساسات المنازل المهدمة فقط وليس لإعادة إعمار شاملة". ويبدي استغرابه لرعاية "الثنائي الشيعي" لإنشاء ملاعب رياضية في الجنوب بينما أهله بحاجة ماسة للإعمار وبدلات إيواء.

أما بخصوص المشروع الاقتصادي الأميركي في المنطقة، فيبين فنج أنه سيشمل لبنان، ويشير إلى مسألة هامة تتعلق بالضمانات المطلوبة، كما هو الحال في الاتفاقيات المبرمة حديثاً في سوريا، وخصوصاً تلك المرتبطة بالموانئ، وعلى مدى بعيد يصل إلى 30 عامًا "هذه البنود تعدّ بمثابة التزام سياسي وليس اقتصادي لطمأنة المستثمرين الخارجيين"، ومن المتوقع أن تسري هذه الضمانات على لبنان أيضاً. وبالتالي فإن تغيير الوضعية الراهنة شرط أساسي لانطلاق المشروع.

اقرأ المزيد من كتابات عبد الكريم فياض