فرنسا في لبنان : دور مستقبليّ على المحك

فرنسا في لبنان : دور مستقبليّ على المحك

الرئيس عون والموفد الفرنسي fجان ايف لودريان

كلما زار الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بيروت، انشغل الوسط السياسي بمتابعة الاحتمالات التي يمكن ان تخلص اليها زيارته. الزيارة اليوم تبدو عالقة بين اكثر من محور، اذ تأتي وسط مجموعة عوامل فرنسية ولبنانية واميركية ، في التعاطي مع ملف لبنان:

اولا، لا تبعات للزيارة تتعلق بموقف لودريان نفسه  ومن لبنان وهو الذي تربطه علاقة صداقة معه  ومع تاريخه الحديث. بل تتعلق بالاطار العام للدور الفرنسي. اذ ان  الزيارة تأتي فرنسيا، وسط ازمة سياسة متشعبة، لم تنته فصولها ولو كلّف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وزير دفاعه  سيباستيان لوكورنو بتشكيل حكومة جديدة. فالازمة الداخلية باتت اصعب من ان تُعالج في فترة اشهر قليلة، قبل انتهاء ولاية ماكرون الثانية. وهذا ما ينعكس حكما على السياسة الخارجية لفرنسا، والتي يحاول ماكرون ان يلعب فيها دورا فاعلا على حساب الازمات الداخلية. ولوكورنو  الذي يعرف تماما ملف لبنان وهو كان مشرفا فرنسيا على اتفاق وقف النار فيه، معني اليوم كرئيس للوزراء بمتابعة دور بلاده ديبلوماسيا والتحضير لمؤتمرات دولية بهذا الحجم. لكن الاجندة الداخلية لرئيس وزراء مكلف بعد سلسلة احتجاجات داخلية وانهيار الحكومات، ستكون اولوية بالنسبة اليه.

 ثانيا الزيارة التي اصبحت روتينية، لا تقدم جديدًا بالمعنى المباشر، ولو كان الحديث يتعلق بعقد مؤتمرين حول لبنان. لان اهمية المؤتمرين تتعلق بدعم مادي، وهو الذي تعنى به عادة الدول الخليجية، وبعض عواصم اوروبية تساهم بكلفة اقل. واليوم من المبكر حسم امكانات حصول الجيش ولبنان على مساعدات على المستوى الذي تطمح اليه فرنسا، وسط عدم وضوح رؤية الاستراتيجية الخليجية تجاه لبنان، وكذلك انشغال العواصم الاوروبية المعنية بتمويل مساعدات عسكرية الى اوكرانيا. ورغم ان لودريان تربطه علاقة مع السعودية الا ان تمويل مؤتمرين بهذه الاهمية، يحتاج الى مراجعة سعودية شاملة لما تريده سياستها في لبنان. وهي  لا تزال حتى اللحظة تفرمل كل تطور يُفهم منه انه ضاغط في اتجاه التعامل مع لبنان بطريقة مختلفة عن الاشهر السابقة. ورغم انها  كانت ساهمت سياسيا الاسابيع الماضية في اتجاه انتقال لبنان الى مرحلة حصر السلاح، الا انها حافظت على دينامية معينة لم تتخط مرحلة التعادل الذي منع حصول  مواجهة داخلية. وهذا ايضا جمّد كل تطور يتعلق بعملها على  حلحلة ملفات عالقة، ومنها تمويل مؤتمرات دولية لصالح لبنان. اما قطر التي تقف عادة الى جانب الجيش تمويلا والى جانب لبنان عبر المساعدات، فانكفأت سياسيا في الاشهر الاخيرة. وبعد العملية الاسرائيلية التي تعرضت لها، ستكون اكثر عرضة لدراسة سياستها الخارجية في صورة اشمل واعمق.

ثالثا الزيارة التي تأتي بعد الاعلان عن خطة لجمع السلاح، والمشاركة الفرنسية في عملية اخراج التمديد للقوات الدولية " اليونيفيل"، تأخذ في الاعتبار ايضا الدور الاميركي الذي اصبح متقدما، بعد تحديد واشنطن مهلة اخيرة لولاية اليونيفيل في الجنوب، وكذلك الامر في مراقبة عملية جمع السلاح، والدخول الاميركي بقوة على خط الاجتماعات العسكرية والديبلوماسية في الناقورة. وذلك قبل اللجوء الى تفعيل عمل اللجنة الخماسية، وتبديل رئيسها الاميركي، علما انه انيطبت بفرنسا نيابة اللجنة. وفرنسا التي لعبت دورا متقدما في اليونيفيل طوال السنوات التي خدمت فيها وحداتها في لبنان، كانت تساهم دوريا  في تخفيف الضغوط التي كانت تحصل سنويا لدى التجديد للقوة الدولية. الى ان تدخلت الولايات المتحدة في الاونة الاخيرة، لتضع شروطها تارة في محاولة  تغيير مهام القوة ولاحقا تقليص سنوات مهمتها في لبنان. من هنا يصبح السؤال المنطقي اي دور فرنسي يمكن ان يكون عليه في المرحلة المقبلة حتى في اطار وقف النار، ومهمة اليونيفيل في وقت اصبحت واشنطن حاضرة بقوة جنوبا. فيما اصبح تنسيقها دائما مع الجيش اللبناني   في اطار ميداني يتعلق بمهمة مراقبة وقف النار في صورة مباشرة، اضافة الى المساعدات التي اعلن البنتاغون انه اعاد تحريكها اخيرا. 

اقرأ المزيد من كتابات هيام القصيفي