بري يطلب تأجيل الانتخابات سنتين لترتيب البيت الداخلي
مع انتهاء زيارة البابا لاون الرابع عشر، يعود لبنان إلى واقع معقّد تسوده حالة من عدم اليقين في ظل أزمات متشابكة تختزن عوامل تفجير ذاتيّة. بدءًا بارتفاع احتمالية تعرض البلاد لجولة حرب إسرائيلية ثانية مع تعثر المبادرات التفاوضية التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، مروراً بالمفاوضات بين أميركا وإيران وتالياً "حزب الله"، وصولاً إلى مسألة الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل. كل ذلك وسط تزايد القناعة في الأوساط السياسية والشعبية بترحيلها نتيجة الاستقطاب العمودي بين الكتل البرلمانية بسبب انتخاب المنتشرين.
مبادرة بري
إزاء هذه الأزمات التي يربط بينها خيط "استراتيجي" رفيع، يكشف مصدر سياسي رفيع المستوى لموقع "كافيين دوت برس" عن مبادرة الرئيس نبيه بري إلى جس نبض دولة خليجية فاعلة من أجل تأجيل الاستحقاق النيابي لمدة سنتين ريثما يتم ترتيب البيت الداخلي، استند فيها على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها، وتقدير مواقفه في العواصم العربية والإقليمية والدولية، لذلك فإن كلامه محل نقاش .
وبالطبع فإن هذه المبادرة لا يمكن فصلها عن الدور الذي يلعبه بري منذ مفاوضات وقف إطلاق النار خلال "حرب الإسناد"، وما تلاها من محطات سياسية حساسة أظهر فيها تمايزاً مضبوطاً عن "حزب الله" ومواقفه، وحرصًا على حماية البيت الشيعي من أثمان خيارات متهورة.
يضاف إلى ذلك إيفاده معاونه السياسي، النائب علي حسن خليل، إلى العاصمة الإيرانية طهران تحت ستار تلبية دعوة مؤتمر حقوقي، من أجل تعزيز التواصل المباشر مع القيادة الإيرانية، وإطلاعها على تعقيدات المسألة اللبنانية، مع الوقوف على توجهاتها وتطورات التفاوض مع أميركا، ومحاولة الاستفادة من نمو العلاقات بين طهران والرياض والعواصم الخليجية، والمراكمة على المناخ الإيجابي السائد لتحسين الموقف اللبناني العام، وزيادة فرص نجاح مبادرته الآنفة الذكر. يعلّل بري طلبه تأجيل الانتخابات سنتين من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي، ويعوّل على الفاعل الإقليمي لدفع حلفائه في الداخل لتليين مواقفهم.
الحرب واقعة
في المقابل، يتوقع المصدر السياسي الرفيع لموقع "كافيين دوت برس " ان الحرب واقعة لا محالة، وأنها حاصلة بعد زيارة البابا لاون الرابع عشر مباشرة، وإما قد تلتزم حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منح الدولة اللبنانية فرصة حتى آخر العام الجاري لتطبيق قرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح. لكن المعطيات الميدانية تشير إلى أنه لن يتحقق هذا الأمر في المدى المنظور حسب خارطة الطريق الأميركية. وبالتالي نحن أمام سيناريوهات تصعيدية إسرائيلية.
وفي هذا الإطار، يكشف المصدر السياسي أن المبادرة المصرية اصطدمت بالمسار الذي رسمته واشنطن للمنطقة، والذي يتضمن عدم وجود "حزب الله" عسكريًّا، بالتوازي مع منع أي نفوذ لأذرع ايران في المنطقة. وكان العامل الأساسي الذي أطاح بالمبادرة المصرية وزخمها هو مبدأ تجميد السلاح المرفوض أميركياً.
لا تنفصل المبادرة التي طرحتها القاهرة عن سياق المفاوضات بين واشنطن وطهران، حيث يبيّن المصدر السياسي فشل المفاوضات بسبب موقف الحرس الثوري الإيراني الرافض للالتزام بالشروط الأميركية، لكونه يعتبر أن الموافقة على هذه الشروط هي بمثابة انتحار.
لذلك يبدي تصلّبًا واضحّا تظهر آثاره في الموقف الإيراني العام. هذا التصّب يمكن تلمسه في المواقف التي أطلقها وزير الخارجية عباس عراقجي في حوار مع قناة "فرانس 24" الفرنسية منذ أيام خلال زيارته إلى باريس، حيث قال أن "إيران ليست مستعجلة. نحن ننتظر أن يصبح الأميركيين جاهزين لمفاوضات حقيقية، وليس تقديم طلبات مبالغ فيها".
الشروط الأميركية
تصرّ واشنطن على ثلاثة شروط لا تحيد عنها في الرسائل التفاوضية عبر الوسطاء:
الأول، ويتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية، حيث تشترط أميركا أن لا يتجاوز المدى المقبول من قبلها للسماح باستمرارية البرنامج حدود الـ 200 كلم، بما يضمن حماية استراتيجية للقارة الأوروبية ولحلفائها الاستراتيجيين. الأمر الذي يرفضه الحرس الثوري.
الثاني، أن تنقل أنشطة التخصيب خارج الأراضي الإيرانية. لا تزال طهران تتمسك باستمرارية التخصيب على أراضيها، وسط ضبابية على صعيد إمكانية التزامها بشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعدلاتها للتخصيب السلمي.
الثالث، ويدور حول ضرورة تخلي إيران عن نفوذها في المنطقة، وإنهاء الوكلاء أو ما يعرف بالأذرع. وهو شرط أميركي صارم لا تبدي أي تساهل إزاءه. وتندرج الرسائل التي توجهها مباشرة عبر مسؤوليها إلى الحكومة العراقية ضمن هذا الإطار، وكانت آخرها رسالة مبعوث ترامب السفير توم براك.
انطلاقاً من العوامل المشار إليها، يعتبر المصدر السياسي أن طريق الحلول مقفلة، وأن سيناريوهات التصعيد حاصلة، إنما التساؤل يبقى عن التوقيت.