بعبدا 2026: رقعة شطرنج والمقعد الماروني الثالث على مفترق حاسم!

بعبدا 2026: رقعة شطرنج  والمقعد  الماروني الثالث على مفترق حاسم!

لا يشبه المشهد الانتخابي في بعبدا هذا العام أي دورة سابقة. فالدائرة، التي اعتُبرت لعقود مؤشرًا دقيقًا لتوازن القوى بين المكوّنات المسيحيّة والشيعيّة والدرزيّة، تتحوّل اليوم إلى رقعة شطرنج سياسيّة معقدّة تتحرّك عليها الأحزاب بقلق واستنفار، وكأنّ كل خطوة قد تُسقط مقعدًا أو تُحيي فرصة لم تكن ضمن الحسابات. ومع تبدّل أولويّات الناخبين وتنامي تأثير المغتربين، تبدو بعبدا مقبلة على معركة فريدة، تُصاغ تفاصيلها عبر تحالفات مترددة، وانقسامات داخلية، وارتدادات خارجية تحدد حدود الهجوم والدفاع لدى القوى التقليدية.
 تتألف دائرة بعبدا من ستة مقاعد، موزعة بين ثلاثة مقاعد للموارنة، ومقعدين للشيعة، ومقعد واحد للدرزيين. وبلغ عدد الناخبين فيها، بحسب آخر استحقاق جرى عام 2022، 171,746 ناخبًا، منهم 61,078 مارونيًا، و44,524 شيعيًا، و30,188 درزيًا، إضافةً إلى 12,640 روم أرثوذكس، و10,785 سنّيًا، و7,645 كاثوليكيًا، و4,886 من الأرمن وسائر الطوائف. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأرقام الجديدة ستُصدر في شهر آذار المقبل.
 ويُعدّ الناخب المغترب، البالغ عدد أصواته 13,271، بحسب تقديرات انتخابية، عنصرًا مؤثرًا قادرًا على قلب موازين اللوائح، كما أثبت في دورات سابقة عندما لعب دور "الصوت الترجيحي"، خصوصًا في المقعد الماروني الثالث، الذي يُعتبر مفتاح الحسم داخل الدائرة.

في هذا الإطار، سعت "كافيين دوت بريس" إلى استطلاع موقف الأحزاب والمرشحين المستقلين لتقديم صورة أوليّة عن المشهد الانتخابي في الدائرة. فوفق مصادر "القوات اللبنانية"، لم يُحسم بعد القرار النهائي في شأن الأسماء، إلاّ أنّ الاتجاه الغالب يميل إلى تثبيت النائب بيار بو عاصي نظرًا الى حضوره الشعبي ونتيجته السابقة التي بلغت 17 ألف صوت، أي ما يُعادل حاصلًا انتخابيًا كاملًا. ويستمر التواصل مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" لتجديد التحالف التقليدي قبل نهاية عام 2025، مع تركيز الاهتمام على المقعد الماروني الثالث.
 

أمّا الحزب "التقدمي الاشتراكي"، فمتمسّك بترشيح النائب هادي أبو الحسن، مع ترجيح استمرار التفاهم الانتخابي مع "القوات" وفق ما جرى في الدورتين السابقتين، ما يعكس استمرار التوازن التقليدي بين هذه القوى.

في المقابل، يبقى تموضع حركة "أمل" ثابتًا بتحالف أساسي مع "حزب الله"، بينما تُؤجل بقية التحالفات إلى ما بعد كانون الأول، مع احتمالية فتح باب التقارب مع "التيار الوطني الحر" إذا أراد "الثنائي" تأمين ثقل مسيحي للائحة.
 
 وتؤكد "أمل" لـموقعنا أنها بدأت العمل الانتخابي منذ شهرين عبر لجنة مركزية تغطي 16 دائرة، بما فيها الدائرة المغتربة التي تتزايد أهميتها مع اقتراب الاستحقاق، إذ يمثل صوت المغتربين "المتغيّر الكبير" الذي قد يغير نتائج المقعد الماروني الثالث في شكل مفاجئ.

مصادر "التيار الوطني الحر" تكشف أنّ اختيار المرشحين يعتمد على الآلية الداخلية، مع ترجيح اسم فادي أبو رحّال، أمّا التحالفات فتبقى تحت الدراسة الدقيقة، متأثرة بالمستجدات المحليّة والسياسيّة.

 ومع تردد اسم القاضية عون، فترشحها يبدو مستحيلاً إذا جرى الاستحقاق في أيار، نظراً الى عدم مرور عامين على تقاعدها، وفق تصريحاتها لموقعنا. ومع ذلك، لا تستبعد المشاركة في حال تأجل موعد الاستحقاق، ما يزيد الغموض حول اللوائح النهائية.


تحالفات "على القطعة"

مصادر حزب الله تؤكد لموقعنا أنّ الحفاظ على كتلته الكاملة يشكّل أولويّته المطلقة، ولن يتنازل عن أي مقعد يمكن الفوز به منفردًا، وأنّ التحالف مع "التيار" سيكون "على القطعة"، لا شاملاً كما في السابق، مع إبقاء الباب مفتوحًا لاحتمال ترشيح شخصية مسيحية ضمن لائحته إذا لم تكتمل التحالفات، ما يضع الأحزاب المسيحية أمام خيارات صعبة لضمان حصتها الانتخابية.

وفي السياق نفسه، يعتبر النائب آلان عون أنّ ترشيحه محسوم، مع التركيز على "جهوزية خاصة" بعيدة تمامًا عن أي تفاوض على اللوائح، مؤكدًا أنّ مكانته المستقلة ستبقى صامدة بعد الانتخابات، وأنّ برنامجه واضح، متبنّيًا خطاب القسم وحصرية السلاح بيد الدولة، لذا فإن أي مكوّن يريد التعاون معه ملزم بأن يمثل هذا الاتجاه ويحترم استقلاليته بلا مواربة.
 
أمّا النائب كميل شمعون، فلم يتخذ بعد قرارًا نهائيًا في شأن اختيار الدائرة التي سيخوض فيها الانتخابات، سواء في بعبدا أو دائرة الشوف-عاليه، مع استمرار التعاون مع "القوات" في شأن التحالف، لكن أي خطوة رسمية لن تُتخذ قبل حلول العام الجديد، ما يزيد الغموض والتحفّظ على تشكيل اللوائح النهائية.

من جهته، يرى رئيس الكتلة الوطنية ميشال حلو أنّ ترشيحه قائم، وأنّ اللائحة لم تُنجز بعد، مع احتمال تحالف واسع يشمل حزب الكتائب وأطرافًا أخرى فور اتضاح الصورة.
 
 
الرهان الحاسم على مستقبل المقاعد
 
لكل دائرة انتخابيّة خصوصيتها الفريدة، إذ تبرز دائرة بعبدا في المرحلة الراهنة كمحطة ترقّب حيوية، نظرًا الى ما ستؤول إليه التحالفات السياسّية التي ستحدد ملامح المشهد الانتخابي ونتائجه.
وفي هذا الإطار، ترى أوساط مراقبة أن عدم تحالف "التيار الوطني الحر" مع "الثنائي الشيعي" قد يعرّض مرشح المقعد الماروني في لائحة التيار للخطر، خصوصًا في ظل القانون الانتخابي الحالي، ومن ثمّ، من المرجح أن ينتقل هذا المقعد إلى حصة النائب آلان عون. وتعتمد النتائج في شكل كبير على طبيعة التحالفات المقبلة، بما في ذلك إمكان انضمام الكتائب إلى تحالف مع القوات والاشتراكي، أو بقائها ضمن الكتلة الوطنية، وهو ما قد يحدّد خريطة القوى في شكل حاسم.

ولا يقلّ دور الناخب المغترب أهميّة عن التحالفات المحلية، إذ يمتلك القدرة على قلب موازين القوى وإحداث تغييرات ملموسة في النتائج النهائيّة. وتشير مصادر نيابية لـموقعنا إلى أنه في حال عدم تمكّن المغتربين من التصويت من الخارج، فمن المرجح أن يتم تأجيل الاستحقاق النيابي إلى شهر تموز، ليتمكن كل لبناني مغترب من المجيء إلى البلاد والإدلاء بصوته مباشرة، ما قد يُحدث تغييرات ملموسة في ملامح الانتخابات ونتائجها النهائيّة.
 في هذا المشهد المعقد، تبدو بعبدا واقفة عند مفترق حاسم. تحالفات لم تُحسم، وجمهور يُعيد تشكيل أولوياته، ومغتربون يستعدّون للتأثير على المعادلة، وأحزاب تتعامل مع الاستحقاق وكأنه "الامتحان النهائي" لمواقعها في الشارع. وبين ترقّب التحالفات وانتظار المفاجآت، تبقى بعبدا مرشحة لأن تكون واحدة من أكثر الدوائر سخونة وتعقيدًا في الاستحقاق النيابي المقبل، حيث قد تحدّد أصواتها الدقيقة مستقبل القوى التقليدية والمستقلّة على حدّ سواء.

اقرأ المزيد من كتابات كارين القسيس