أزمات عون من دون تغطية مسيحية

في ازمة مثل التي يمرّ بها العهد، ولو لم يعترف بها، يفتش رئيس الجمهورية عادة عن حلفاء يقفون معه، ويدافعون عنه او عن موقع رئاسة الجمهورية اذا استهدفت. فيلتفت رئيس الجمهورية الى القوى التي اختارته رئيسا للجمهورية، ومن ثم الى القوى المسيحية، كونه يفترض ان يكون ممثلًا لهم. لم تكن هذه حال الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود، في ظل الوجود السوري، وان كان حلفاء سوريا من المسيحيين وقفوا الى جانبهما. مع الرئيس ميشال عون، كان المشهد مختلفًا، لانه اتى بفضل تحالف مسيحيّ مع القوات اللبنانية، ومن فكرة كرّستها بكركي باختيار الاقوى في طائفته من بين القيادات المارونية الاربع. وحين اختلف عون مع القوات، ومن ثم اختلف مع معظم القوى السياسية، قبل انتهاء عهده، لم يجد حليفًا مسيحيًا الى جانبه، وكان في القوات من يردّد انه دفع ثمن انهيار التفاهم معها، فلم يعد يجد من يدافع عنه.
لم يأت العماد جوزف عون الى قصر بعبدا بتغطية مسيحية. من صوّت له من المسيحيين ، انما قَبِل به وفقًا، لكلمة سرّ جاءت من السعودية، اوعزت بانتخابه. والتيار الوطني لم ينتخبه، ويعاديه حتى الساعة. ولان اختياره كان وفق توافق خارجي، تُرجم داخليّا، كان يفترض بالعهد ان يقلب الاية، ويستعيد التوافق الداخلي الى جانبه.
في مشهد القصر الجمهوري من حلقات مستشارين واقرباء وضباط وسياسيين، لا يوجد من يمكن ان يشكل حلقة وصل مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، كأكبر قوتين مسيحيتين، لا بل هناك من يخاصمهما في شكل مطلق. وجود القوات والكتائب في الحكومة، لا شأن له بالعلاقة مع رئيس الجمهورية والتنسيق معه ،والحزبان لا يزالان يلتزمان العمل الحكومي من دون توترات. لذا عند اي استحقاق مواجهة او خلاف على مستوى اعلى من التكتيك اليومي، يصبح رئيس الجمهورية من دون غطاء مسيحي واسع، اذا اقتضت مصلحة ايّ من القوتين الاساسيتين ذلك. في الجفاء الحاصل اليوم، مع رئيس الحكومة نواف سلام، وفي عدم رضى القوات على اداء العهد في ملف سلاح حزب الله، وفي موقف التيار الوطني الحرّ المناهض اصلًا له، يظهر انكشاف العهد مسيحيًا. وهذا الامر سيظهر اكثر اذا جرت الانتخابات النيابية، وحققت القوات ما تأمله من ارتفاع عدد نوابها وكذلك التيار الوطني، الا اذا اختار العهد ان يجمع حوله نوابًا مستقلين فقط لانهم مسيحيون. الزيارات الى الفاتيكان او استقبال البابا ليون الرابع عشر في بعبدا، او زيارة بكركي، لا تعطي الغطاء المسيحي الواسع للعهد عند الازمات الداخلية مع اي من الاطراف. فالبابا يوحنا بولس الثاني سبق ان زار بعبدا في ارا عام 1997 واستقبله الهراوي وعائلته، لكن الذين نزلوا الى الطريق كانوا يهتفون للبطريرك مارنصرالله بطرس صفير وللعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، والشباب الذين التقاهم في حريصا طالبوا بالحرية والسيادة والاستقلال.
ورغم ان القلق لم يعد داخليًّا فحسب، في النظرة الى العهد، بل اصبح خارجيًّا كذلك، يتصرف العهد وكأن كل ما يحصل من توترات داخلية، مجرد حوادث متفرقة، وان لا حاجة الى تغطية من القوى السياسية المسيحية او على الاقل تمتين التواصل معها. في حين ان ملاحظات القوى المسيحية تكبر في اكثر من ملف ولا ينحصر ذلك في موضوع حصر السلاح، بل يتعداه الى اساليب العمل الداخلي والعلاقة مع القوى السياسية والملفات الادارية وهي كثيرة. واذا كان الجميع ملتزمًا التهدئة في الظرف الراهن، ويحرص على عدم استهداف العهد، فان الانتخابات اذا جرت، ستضع حدًّا فاصلًا بين مرحلتين، لان الرهان على ان نتائجها ستنتج مشهدًا انتخابيًّا، يسمح للفائز في اعادة تقديم نفسه كأكبر ممثل للمسيحيين.