انطلاق السباق الانتخابي في كسروان–جبيل والعين على المقعد الشيعي
تخيّم الضبابيّة على دائرة كسروان–جبيل إلى حدّ يجعلها المثال الأبرز على تعقيدات القانون الانتخابي الحالي. فالعائلات التاريخيّة لا تزال اللاعب الأكثر نفوذاً، تُمسك بمفاتيح التأثير وتفرض إيقاع التحالفات، فيما تتعامل الأحزاب معها بوصفها ممرّاً إلزامياً لأي معركة انتخابية ناجحة. هنا تُرسم البوصلة من مجلس العائلة قبل مجلس الحزب، وتُحتسب الأصوات بميزان تُرجّحه العلاقات التقليدية قبل الحسابات الرقميّة.
ولعلّ هذا المشهد ليس غريباً على القادة الذين شكّلوا لعقود ساحة قيادة سياسيّة مسيحيّة، من الراحل ريمون إدّه إلى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي اعتبر كسروان "عاصمة الموارنة". غير أنّ السنوات الأربع الأخيرة قلبت المعادلات، فتبدّلت التحالفات ونشأت أخرى، وتحرّكت حسابات الأحزاب على وقع اهتزازات داخلية عميقة. ومع غياب اليقين حيال ما إذا كانت انتخابات 2026 ستُجرى في موعدها وسط النزاع السياسي المحتدم، تبدو الخطوط الأولى للتحالفات اكثر وضوحًا.
وبحسب معلومات "كافيين دوت برس"، فإنّ المشهد الأولي يوحي بتوجّه القوى إلى أربع لوائح رئيسة: لائحة "القوّات اللبنانيّة"، لائحة "التيار الوطني الحر"، لائحة يرأسها النائب نعمت أفرام، ولائحة تضم المستقلين.
مصادر "القوات" تكشف لـموقعنا أنّ اجتماعاً سيُعقد في 26 تشرين الثاني في معراب لحسم صورة الدائرتين في كسروان وجبيل، على أن تتبلور الأسماء في شكل نهائي لاحقاً. وحتّى الآن، يبرز اسم النائب زياد حواط عن دائرة جبيل، فيما يبرز اسم غوستاف قرداحي عن كسروان، ضمن تحالف يضم فؤاد منصور البون.
التفضيلي: للبون أم لقرداحي؟
ويتردّد داخل أوساط كسروانيّة أنّ "القوات" ستمنح قرداحي الصوت التفضيلي، وحين سئلت هذه الأوساط عن سبب عدم منحه للبون، سيّما أنّ الأخير من عائلة كسروانيّة عريقة ويتمتّع بقاعدة أصوات خاصة، جاء جواب "القوات" بأنّ حسابات الماكينة الانتخابيّة تُرجّح قدرة الحزب على تحقيق ثلاثة مقاعد: حاصلين في كسروان من حصّة قرداحي والبون، ومقعد واحد في جبيل من حصّة حواط، مع العمل على انتزاع حاصل رابع قد يذهب إلى المقعد الشيعي.
وتُتابع المصادر أنّ هذا الاحتمال مرتبط بمسار تحالفات القوى الأخرى، وفي إمكان دعم مرشح شيعي معارض يُرجَّح أن يكون الدكتور علي خليفة.
خليفة يؤكّد في حديث لـموقعنا أنّ التواصل مع "القوات" مستمر، وأنّ المشهد معقّد، لكنه عازم على خوض المعركة بقوّة "لأنّ الخرق الشيعي المعارض مهمّ جداً"، إذ أنّه كما يمكن للمرشّح الروم كاثوليك في الجنوب الثانية أن يفوز بأصوات لوائح الثنائي، يمكن للقوى السيادية أن تفرض في جبيل مرشحاً شيعيًّا معارضًا، مشدّدًا على أنّ تحرّر الطائفة الشيعية من احتكار "الثنائي" يُعدّ انتصاراً للبنان بأجمعه، يستفيد منه الجميع من مسيحيين وسنّة ودروز وشيعة.
في المقابل، تواصل لائحة "التيار الوطني الحر" رسم ملامحها، فمصادر "التيار" تشير إلى استمرار ترشيح النائبة ندى البستاني في كسروان، مع التحالف مع رئيس بلدية جونية السابق جوان حبيش. أمّا في جبيل، فتتردّد معلومات عن احتمال ترشيح المدير العام السابق لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران أو الصحافية راشيل كرم، فيما تنفي المصادر حالياً نية ترشيح المحامي وديع عقل، وأنّ التحالف مع "الثنائي الشيعي" لا يزال معلّقاً ريثما تتضح معالم المرحلة المقبلة، خصوصاً مع احتمال تأجيل الانتخابات. وفي اتصال مع المدير العام السابق جبران، يؤكّد أنّه "مرشّح محتمل" وأنّ النقاش معه جديّ.
أمّا لائحة النائب نعمت أفرام، فتؤكّد مصادر قريبة منه أنها ستضمّ النائب فريد الخازن والدكتور وليد خوري، إضافةً إلى تحالف مع حزب الكتائب الذي سيمثّله النائب سليم الصايغ. وفي ما يخصّ إمكانية انضمام النائب السابق فارس سعيد إلى اللائحة، يكتفي الأخير بجواب مقتض"بكير".
من جانب الثنائي الشيعي، تكشف مصادر حركة "أمل" أنّ لجنة انتخابيّة جديدة شُكّلت قبل يومين برئاسة نبيه حسن شمص، المكلّف إدارة هذه الدائرة انتخابياً، لافتةً إلى أنّ التحالف مع "التيار الوطني الحر" لا يزال غير محسوم، وأنّ "الحركة" لا تتخذ قراراً من هذا النوع من دون التنسيق مع "حزب الله".
ومع بروز اسم المدير العام للأمن العام السابق، اللواء عباس إبراهيم، واحتمال ترشحه عن المقعد الشيعي في هذه الدائرة بدعم من "الثنائي"، تؤكد المصادر أنّ ما تردّد في شأن ترشيحه غير مطروح مطلقاً لدى "أمل".
أمّا في ما يخصّ المستقلين، فتفيد أوساط جبيلية بأنّ المحامي أنطونيو فرحات يدرس الترشّح، لكنه ينتظر اتضاح صورة اللائحة قبل اتخاذ قراره. كما يتردّد اسم المحامي لويس أبو شرف، الذي بدأ عقد لقاءات مع فعاليات المنطقة وناشطيها، ما يشير إلى احتمال دخوله السباق الانتخابي.
المغتربون عنصر مفصلي
حتّى تاريخ 18 تشرين الثاني، سجّلت المنصة الإلكترونيّة التابعة لوزارة الخارجيّة والمغتربين 118,203 طلبات للمشاركة في الانتخابات، فيما تسلّمت وزارة الداخلية والبلديات 65,250 طلباً إضافياً، ويجري حالياً تدقيقها ومطابقتها مع القوائم الانتخابية. ورغم أنّ هذه الأرقام تشمل جميع الدوائر، إلاّ أنّ التعويل على نسبة لا بأس منها تتعلق بدائرة كسروان–جبيل، ما يفتح احتمالاً لتغيير كبير في المعادلة الانتخابية إذا ما استكمل هؤلاء تسجيل أصواتهم فعليًّا. علمًا أنّ غالبيّة الطلبات تأتي من فئة عمريّة شبابيّة، ما يعني أنّ المنافسة ستكون أكثر حدّة في هذه الدائرة.
هكذا، تبدو كسروان–جبيل في قلب معركة تتجاوز الحسابات التقليديّة. فالعائلات والأحزاب وقوى المعارضة والمستقلون، وحتى مرشحو الطوائف المتأرجحون، جميعهم يتنافسون على رقعة واحدة تتبدّل خطوطها كل يوم. والنتيجة واحدة: دائرة معلّقة بين الثقل العائلي والحسابات الحزبية، وبين تحالفات تتشكّل بصمت وأخرى تتفكك قبل أن تُعلن.