المتن على فوهة بركان: خمس لوائح لثمانية مقاعد

المتن على فوهة بركان: خمس لوائح لثمانية مقاعد

يقف المتن الشمالي اليوم على فوهة بركان انتخابي يستبق الزمن، فما يجري في هذه الدائرة لا يشبه أيّ معركة انتخابيّة تقليديّة، ولا يخضع لمنطق التنافس المعتاد بين الأحزاب. إنّما يبدو كأنّه اشتباك واسع مفتوح على الاتجاهات كافةً، وصراع أحجام داخل البيت الواحد قبل أن يكون مواجهة بين الخصوم، إنّه امتحان حقيقيّ لوزن كل شخصيّة وحركة وقوّة في الساحة المسيحيّة.
 المؤشرات كافةً توحي بأنّ المتن الشمالي مقبل على واحدة من أعنف المعارك وأكثرها تعقيداً وغموضاً في تاريخ الانتخابات اللبنانية الحديثة، معركة تُدار وكأنّها اختبار مصيري لمن سيبقى، ومن سيتراجع، ومن سيغادر الحلبة نهائياً.
 
تشير المعطيات الأوليّة إلى أنّ الدائرة مرشّحة لاشتعال غير مسبوق، بخمس لوائح تتنافس على ثمانية مقاعد، في مشهد تتقاطع فيه المصالح وتتفكك فيه التحالفات القديمة وتتشابك الحسابات الشخصيّة مع التوازنات الحزبيّة، فداخل حزب "القوات اللبنانيّة" يدور النقاش حول خيارين اثنين: إمّا التركيز على المقعدين المارونيين بحيث يكون أحدهما من حصّة النائب رازي الحاج، ويُخصّص الثاني لشخصية قانونية رفيعة المستوى يجري التداول باسمها في الكواليس، وإمّا الحفاظ على المقعد الكاثوليكي الذي سيبقى من حصّة النائب ملحم رياشي إلى جانب المقعد الماروني، مع تكثيف الجهود لرفع الحاصل بما يفتح الباب أمام محاولة بلوغ حاصل ثالث. فـ"القوات" التي تمتلك تقليديا حاصلين ثابتين تعمل بجدّ هذه المرة على انتزاع الحاصل الثالث، ما يشكّل اختراقًا نوعيًّا. وتؤكد المعطيات نفسها تثبيت ترشيح الحاج عن المقعد الماروني وسمير صليبا عن الأرثوذكسي ورياشي عن الكاثوليكي، فيما طُوي سريعًا الحديث عن ترشيح زوجة رئيس بلدية أنطلياس، جورج أبو جودة، بعد تأكيد "القوات" تمسّكها بصليبا.
 
أمّا حزب "الكتائب" فيدخل الاستحقاق وكأنّه يسعى إلى محو ظلّ النكسة التي أصابته في انتخابات اتحاد بلديات المتن وخسارة رئيسة بلدية بكفيا، نيكول الجميّل المقعد. وهي نكسة ليست بسيطة لكنّه يُحاول تحويلها إلى حافز لتعزيز حضوره وتحصين موقعه مجددًا في دائرة يعتبرها تابعة له. إذ يُثبّت الحزب مرشحيه التقليديين، سامي الجميّل وإلياس حنكش، مع انضمام سركيس سركيس عن المقعد الماروني، فيما تبقى الاتصالات مع "الطاشناق" قائمة على خطّ متواصل، ويدرك الحزب أنّ رهانه في هذه الدورة يتجاوز الحفاظ على مقعديه نحو محاولة رفع الحاصل إلى ثلاثة، عبر استنهاض الشارع غير الحزبي وتعزيز التعبئة في الدائرة، في مسعى لإعادة تكريس موقعه قوة مركزيّة.
 وعلى الضفة المقابلة، يبدو "التيار الوطني الحرّ" وكأنّه يدخل المعركة محمّلاً بأثقال تتجاوز حسابات المقاعد، فهذه الدورة بالنسبة الى رئيسه النائب جبران باسيل بمثابة معركة  "كسر عضم" حقيقية، وسط كلام عن تراجع في القاعدة الشعبية وانقسامات داخلية متزايدة، إذ من المؤكد أن تضم اللائحة النائب السابق إدي معلوف عن المقعد الكاثوليكي ومنصور فاضل عن المقعد الماروني، مع حديث عن احتمال تحالف مع آل المرّ.  إلاّ أنّ العلاقة مع "الطاشناق" باتت أكثر تعقيداً من أي وقت مضى بعد التباعد الذي تكرّس عقب خروج الرئيس ميشال عون من بعبدا. وهو الذي كان لعقود صمّام الأمان في العلاقة بين الطرفين. فالطاشناق، المعروف تاريخياً بوقوفه مع خطّ الرئاسة، يجد نفسه اليوم أمام تيار ابتعد كثيراً عن هذا الخط، ما يزيد الهوّة، ولو أن المصالح الانتخابية كثيراً ما تتقدّم على المشهد السياسي العام.
 
في موازاة ذلك، يبرز الثنائي إبراهيم كنعان وإلياس بو صعب عبر لائحة مستقلة تحمل طابع التمرّد الهادئ على قيادة باسيل، هذه اللائحة تسعى إلى الحفاظ على القاعدة العونيّة التقليديّة مع وضع مسافة سياسيّة واضحة بينها والقيادة الحزبية الحالية، مع احتمال انضمام الطاشناق إليها ما يضع التيار في موقع حساس، خصوصاً أنّ جزءًا من الجمهور العوني يميل نحو النواب الذين خرجوا من عباءة الحزب، ما يجعل معركة المتن، بالنسبة لباسيل، معركة ضبط قواعد قبل أي شيء آخر.
 

لائحة خارج الاصطفافات الحزبيّة

 
تشهد أوساط المتن حالة إحباط من تجربة التغييريين الذين لم يقدّموا أي جديد يُذكر، ما يفتح الباب واسعاً أمام ظهور وجوه جديدة قد تُحدث انقلابًا في المشهد الانتخابي، في هذا الإطار، تتبلور حاليًّا لائحة مستقلّة تضم الدكتور فؤاد أبو ناضر والصحافي سيمون أبو فاضل والمحامية ماريان شهاب الراعي، مع احتمال انضمام رجل الأعمال هاني صليبا اليها. ومع ذلك، يبقى تشكيل هذه اللائحة النهائي مرهونًا بالتطورات المقبلة وبمآلات إجراء الانتخابات نفسها.
 
في هذه الدائرة تحديداً، لا تُقاس الانتخابات بالمقاعد فحسب، إنّما بمن يثبت أقدامه، ومن يتقدّم نحو الصف الأول، ومن يتراجع إلى الهامش. تحالفات هشة تتفتت بين يوم وآخر، وحسابات يُعاد رسمها باستمرار، ومزاج شعبي متقلّب يجعل كلّ توّقع ثابت مغامرة محفوفة بالمخاطر، فحرارة المعركة ترتفع قبل أن تُسدل الستائر على الحملات، ما يجعل كل خطوة سياسيّة اختباراً لشرعيّة التمثيل وقوة النفوذ. وبالتالي مع اقتراب استحقاق 2026، يتحول المتن إلى مساحة تغلي تحت طبقات من الصراع، تتبدّل فيها الولاءات، وتتكسّر الموروثات.

 

اقرأ المزيد من كتابات كارين القسيس