الاستحقاق النيابي يقترب... وزحلة تستعدّ للمنازلة
مدينة زحلة ليست مجرّد مدينة على خريطة البقاع الأوسط، إنّما القلب النابض الذي يحمل بين ثناياه تاريخًا طويلًا من الزعامة والهويّة السياسيّة المسيحيّة، ومعقل طائفة الروم الملكيّين الكاثوليك. فالاستحقاق النيابيّ في هذه المدينة هو معركة تُخاض بكل ما تحمله من رمزية ووجاهة. في زحلة، حيثُ يتداخل الانتماء مع الذاكرة، تُحسم المعارك الانتخابيّة بقوة الهوية والتاريخ الذي يربط أبناء المدينة بماضيهم ومستقبلهم. هو صراع يُقاس بقدرة المرشّح على أن يكون عنواناً للتمثيل الحقيقيّ.
منذ عقود، كانت العائلات "الزحلاويّة" الكبرى، مثل آل سكاف وآل فتوش، تمسك بزمام اللعبة السياسيّة وتُقرّر مصير المقاعد النيابيّة، لكن مع تبدّل الظروف، انهار مفهوم الزعامة الوراثيّة، واليوم، لم تعد الأسماء التاريخيّة قادرة وحدها على فرض هيمنتها كما كانت، بل باتت كلمة الفصل في يد الناخب الزحلاوي، الذي تجاوز الولاءات التقليديّة، وبالتالي بدأ المزاج الشعبيّ في التبدل، وأصبحت الأولويّة اليوم للمحاسبة والمنافسة الحرّة.
استحقاق 2026 تحت المجهر
المشهد الانتخابي في زحلة لعام 2026 يتشكّل بهدوء، ولكنّه يحمل في طيّاته توترًا خفيًّا ومنافسة شديدة، ففي انتخابات 2022، تنافست أربع لوائح، أمّا اليوم، فتؤكّد مصادر متابعة للاستحقاق لموقع "كافيين دوت برس" أنّ الصورة الأوليّة تُظهر ثلاث لوائح أساسيّة حتّى الآن، واحدة للقوات اللبنانية، وأخرى للتيّار الوطنيّ الحر، وثالثة للنائب المستقلّ ميشال ضاهر، أمّا القوى التغييرية التي برزت في الدورة السابقة، فما زالت غائبة حتّى اللحظة، من دون اجتماعات أو تحركات تذكر، وكأنها فقدت الزخم الذي ميّزها قبل أربعة أعوام.
المصادر السياسيّة نفسها تؤكد أنّ دخول تيّار المستقبل إلى المعركة أو عزوفه عنها سيكون له تأثير كبير على رسم المشهد الانتخابي، فحضوره في البقاع الأوسط، ولا سيّما في بر الياس وقب الياس، لا يزال مؤثرًا، كما أنّ الحنين إلى الحريريّة السياسيّة لم يخفت، وللتأكيد على ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه الطائفة السُنيّة مشرذمة بين المقاطعة والمغامرة، تمكّن نائب مستقل من الاستفادة من أصوات هذه البيئة والوصول إلى البرلمان، لكن الظروف اليوم تبدّلت، فبعد استعادة الطائفة نفسها دعم المملكة العربيّة السعوديّة، وهو أمر أصبح واضحًا وعلنيًّا أمام أعين الجميع، يبدو أنّ أي مغامرة خارج العباءة السياسيّة ستكون صعبة ومعقدة.
في سياق متّصل، تؤكّد مصادر "القوات اللبنانيّة" أنّ معراب تتعامل مع الاستحقاق بثقة كبيرة، وقد حسمت قرارها بإعادة ترشيح النائبين جورج عقيص والياس اسطفان، كاشفةً أنّ الحزب يطمح إلى حصد أربعة حواصل انتخابية تتيح له الفوز بالمقعدين الكاثوليكيّين، والمقعد السنيّ، إضافة إلى أحد المقعدين الأرثوذكسيّ أو الأرمنيّ، وذلك في معركة يسعى لخوضها حتّى الآن دون تحالفات مع قوى أخرى.
أمّا التيّار الوطنيّ الحرّ، فيبدو أنّه يعتمد تكتيك "جسّ النبض" قبل الحسم النهائيّ، وبحسب مصادره، يطرح اسمي ابراهيم الرامي من بلدة تربل البقاعيّة والنائب سليم عون كمرشحين محتملين، كما يعتمد آليّة داخليّة تسمح لهما بالقيام بجولات ميدانيّة لاستطلاع المزاج الشعبيّ قبل اتّخاذ القرار النهائيّ، وكذلك، يدور النقاش حول احتمال التحالف مع رئيسة الكتلة الشعبيّة ميريام سكاف، مع انفتاح على النائب السابق سيزار المعلوف.
وتُشير مصادر "التيار" إلى أن الشهر المقبل سيكون حاسمًا لتحديد وجهة الصوت التفضيليّ، خصوصًا أنّه ينسّق في الكواليس مع الثنائيّ الشيعيّ لترسيم خطوط التحالفات.
التحديّات والتحالفات المعقّدة
من جانبها، تؤكّد مصادر حركة أمل لـموقعنا أنّ تحالف "الثنائي الشيعيّ" مع "التيار" قائم حتّى اللحظة، وأن دخول المعلوف ضمن اللائحة المشتركة قد يسهل هذا الأمر، ومن المتوقع بحسب المصادر أن يضمن التحالف حصول المعلوف على الأصوات التفضيليّة الشيعيّة في هذه الدائرة، في مشهد انتخابيّ يتّسم بحسابات دقيقة ومصالح متبادلة.
أمّا في الصيفي، فيتردد كلام حول احتمال دعم رئيس الحزب سامي الجميّل لمرشّح من الطائفة الأرمنيّة بدلًا من المارونيّة، لكن النائب السابق إيلي ماروني نفى لموقعنا هذه المعلومات، مؤكّدًا أنّ الجميّل لم يحسم خياره بعد، وأضاف قائلًا: "إذا عاد القرار إليّ، فإنّ الكتائب يجب أن تكون في تحالف مع "القوّات"، لأنّ البيئة الزحلاويّة تميل بطبيعتها إلى هذا الخطّ السياسيّ، وهم يشتركون في المبادئ والتاريخ"، لكن النقاش لا يزال مفتوحًا، والقرار النهائيّ يبقى بيد القيادة المركزية.
في المقابل، يُواصل النائب ميشال ضاهر تحضيراته لتشكيل لائحة مستقلة، محاولًا استقطاب الأصوات المتردّدة والباحثة عن خيار غير حزبيّ، وتؤكّد مصادره أنّه لم يحسم بعد أسماء المرشحين الذين سينضمون إلى لائحته، وهو منفتح على الأفرقاء كافةً.
المستقبل الغامض لتيار المستقبل...
أمّا تيار المستقبل، ورغم الغموض الذي يحيط بموقفه، فتؤكد مصادره أنّ قرار عودته لم يُتخذ بعد، وبالتالي يحترم خصوصيّة المملكة العربية السعوديّة، وأنّ الأنظار تتجه إلى الرابع عشر من شباط، التاريخ الذي من المتوقع أن يعلن فيه الرئيس سعد الحريري موقفه النهائيّ بشأن المشاركة في الانتخابات أو الاستمرار في الغياب السياسيّ الذي طبع السنوات الأخيرة.
في نهاية المطاف، تبقى إرادة الزحلاويّين محطّ اختبار دائم، حيثُ يواجهون في كل استحقاق تحديّات لا تنتهي، لكن رغم ذلك لا شيء يمكن أن يوقف هذه المدينة عن المضي قدمًا.