انتخابات محامي بيروت: القرار للأحزاب والشباب
أمام النقيب الجديد الذي ستنتخبه الجمعية العمومية للمحامين بالاكثرية في 16 تشرين الثاني جملة تحديات، في مقدمها اموال النقابة المحجوزة في المصارف منذ توقفها عن الدفع. وكانت ولا تزال تشكل السند الأساسي لها. صحيح انها عانت كسائر نقابات المهن الحرة لكنها الأكثر تأثرًا بينها. هذه الاموال النقابية وجدت في الأساس لتغذي الصندوق التقاعدي الذي كان بمعدل الف دولار للمتقاعد، وتدنى بعد ثورة 17 تشرين 2019. وهذه الازمة الاقتصادية تستمر في وطأتها على المحامين افرادًا. وبسببها تدرج المعاش التقاعدي للمحامين من 35 دولارًا في الشهر الى 300 دولار اليوم، عدا عن اموالهم المحتجزة في المصارف كغيرهم من المواطنين. أضف اليها الازمة السياسية المفتوحة والحروب وإنفجار المرفأ عدا جائحة كورونا. لقد تسببت مجتمعة بمزيد من الهجرة وطاولت المحامين في الإستئناف المسجلين في نقابة بيروت وبينهم النوعية. إذ يزيد عدد المحامين المسجلين في الاستئناف في نقابة بيروت عن عشرة آلاف محام. ولم يسدد الرسوم السنوية منهم ليحق لهم الاشتراك في الانتخابات والاستفادة من شروط الاستشفاء إلا نحو 7250 محاميًا. ومهنة المحاماة الاكثر تأثرًا في هذه االازمات فعمل المحامي يستمد شريانه الاساسي من قصور العدل التي مرت بأزمات متتالية منذ جائحة كورونا، وما تلاها من توقف الدوائر والمحاكم عن العمل لتوقف القضاة غير مرة عن العمل بسبب تقلص رواتبهم، وكذلك إضراب المحامين خلال ولاية النقيب الأسبق للمحامين ملحم خلف، فضلًا عن توقف دورة الحياة الاقتصادية وغياب حركة الاستثمارات وابتعاد المواطن العادي عن اللجؤ الى التقاضي الا في قضايا قصوى.كل هذه التحديات سيتعامل النقيب العتيد معها.
ويتنافس على هذا المركز اربعة محامين إثنان من العنصر الشبابي هما المحاميان عماد مرتينوس والياس بازرلي، سبق ان شغلا مركز العضوية. واثنان مخضرمان هما المحاميان بيار حنا ووجيه مسعد تمرسا في العضوية، والمرشح مسعد شغل هذا المركز في مجلس النقابة الحالي ست مرات، وولاية هذا المقعد ثلاث سنوات، ويترشح للفوز به للمرة السابعة وعينه على موقع النقيب.
لقد دلٌت التجربة ان الماكينات الانتخابية ولاسيما التي تدعم مرشحًا لمركز النقيب تركز معركتها على العضوية في مجلس النقابة التي تجري في الجولة الانتخابية الاولى. ونتائجها تقرر معركة النقيب التي تجري في جولة ثانية مباشرة بعد إعلان نتائج العضوية. وتكشف عملية الفرز للجولة الاولى نفَس سير المعركة الانتخابية، وطبيعة التحالفات المعلنة وغير المعلنة. وهذه المرة تكتسب دورة العضوية طابعًا إستثنائيًا كون المنافسة تجري على ثمانية مقاعد، بدل اربعة مقاعد على العادة، لتعذر إجراء الانتخابات الفرعية في تشرين الثاني الماضي بسبب الوضع الامني وارجائها الى تشرين الثاني المقبل. ما يعني ان المحامي سيصوّت لثمانية مرشحين ما يفسح في المجال أمامه لخيار اوسع، وفي الوقت نفسه يمكن ان "تضيع الطاسة" في طريقة توّزع الأصوات ومصدر بعضها، في مقابل وجود مرشحين أقوياء للعضوية. وفي هذه الزاوية تدخل حسابات الماكينات القوية في عملية التصويت لجهة ضخ كمّ من الاصوات في الوجهة التي تحددها لتضمن فوز مرشحيها في هذه الجولة، وتأمين الأصوات اللازمة للمدعوم منها لمركز النقيب. من خلال هذه الحسابات ستنطلق محدلة التصويت في معركة تخوضها الاحزاب التي تطغى على المشهد اكثر من أي وقت مضى، وبمرشحين غير حزبيين إنما مدعومين منها. وحده حزب الكتائب بين الاحزاب تمكن من الوصول الى مقعد النقيب بتحالفات خاضها مرتين بفوز النقيب الحالي فادي المصري والنقيب الأسبق جورج جريج.
في المعركة المرتقبة لن يتبدل المشهد كثيرًا. فهناك مرشح مدعوم من حزب القوات اللبنانية المحامي مرتينوس، ومرشح مدعوم من حزب الكتائب المحامي بازرلي. والمرشحان الآخران مسعد يعتمد على علاقته المباشرة بالمحامين من كل الإتجاهات، ومثله المحامي حنا الذي كان مقربًا في السابق من "القوات" ويخوض هذه الانتخابات متكلًا على دوره النقابي وصداقاته المنفردة مع المحامين وقدامى هذا الحزب.وهو يحوز على تعاطف نقباء سابقين.
للنقباء السابقين دورهم في الانتخابات النقابية، وتجمعهم صلة وثيقة بمكاتب المحامين الكبيرة. في السابق كانوا هم يقررون النتيجة. اليوم ازداد عدد المحامين، ودخول الاحزاب على اختلافها على خطّ هذا الاستحقاق ليشاركوا بالنتيجة معهم. كذلك تراجع دور المستقلّين الذين حملوا النقيب الاسبق النائب خلف الى المركز الاول بمساعدة محامي الثورة. اليوم تختلف الصورة. فالمستقلّون يبقى تأثيرهم قائمًا الى حدّ، ولكن اصواتهم وحدها غير كافية، بمعزل عن الأحزاب، حتى في عزّ فورتهم. اليوم تبدّل المشهد. لقد بات المحامون الشباب المنافس للأحزاب، بالنسبة الى عدد الاصوات التي يُجيرونها للمرشحين الذين يختارونهم. فهم يشكّلون نحو 40 في المئة من جسم المحاماة.