انتخابات المحامين بين مشهدية الأمس واليوم
انتخابات نقابة المحامين الاحد
لا بد من قراءة هادئة لانتخابات المحامين في بيروت من خلال النتائج التي رست عليها. ففي المشهد الخارجيّ حصل تحوّل في نمطية إتمام هذا الاستحقاق، الذي كان يجرى بقرار ذاتي من المحامي والنقباء السابقين للمحامين، عندما كان عدد المحامين قليل لا يتجاوز الثلاثة آلاف محام. وكان حكماء النقابة يجتمعون ويقررون مع اصحاب مكاتب المحاماة الكبيرة وزملائهم، النتائج التي كانت تطغى عليها بالكامل، صفة الاستقلاليّة عن الاحزاب. رغم وجودها وتوزعها بين موالاة ومعارضة،حتى في عزّ الحرب وانشطار العاصمة، كانوا يقبلون الى دارة النقابة ويتحمّلون مخاطر الحواجز، للمشاركة في الانتخابات العامة عندما تشهد انتخابًا للنقيب، وتجري كل سنتين. كذلك عند إجراء الانتخابات الفرعية السنوية للإقتراع لأربعة اعضاء جدد في مجلس النقابة. ونادرًا ما اُرجئت هذه الإنتخابات بشقيّها إلا لظرف أمني قاهر شكَّل حائلًا دون تمكنهم من الوصول الى نقابتهم وإجتياز المعابر. حصل الإرجاء في حينه لمرتين على الأكثر. واستمر المحامون يتوافدون من مختلف المناطق إيمانًا منهم بممارسة حقهم الديموقراطي وتجديد الدم النقابي.
بعد ذلك دخلت الاحزاب على الخط. وأخذت، أكثر مما سبق، تجوب انتخاباتها الجامعات، إلى أن حطَّت رحالها في النقابات. الواحدة تلو الاخرى. واخذ المشهد الانتخابي فيها يتحول في الغالب، وتدريجًا بمرور الزمن، لتغلب على المشهد رويدًا رويدًا، الذي انتقل من تنافس مهنيّ الى تنافس مستقلّ ممزوج بالحزبية. وتمكنت من الوصول الى عضوية مجلس نقابة المحامين شيئًا فشيئًا،ثم الفوز بمركز النقيب. وهذا ما حصل مرتين مع حزب "الكتائب". المرة الاولى بفوز النقيب جورج جريج،الذي إستقال من مسؤوليته الحزبية بعد عام على انتهاء ولايته. وبات اليوم يشكل ظاهرة انتخابية، وله رصيده بين كوكبة من المحامين في الجنوب والبقاع والمتن، وشكّل دعمه النقيب الجديد عماد مرتينوس في معركته قفزة في عدد الأصوات. والنقيب الثاني الذي رشحه حزب"الكتائب" وفاز بالمركز النقيب المنتهية ولايته فادي المصري.
في الانتخابات السابقة أخفق حزب "القوات اللبنانية" في إيصال المحامي المستقل عبدو لحود المدعوم من القوات،وآل المقعد الاول في النقابة الى النقيب المصري. وتمكن الأحد من المشاركة في تحقيق الفوز لمرتينوس.
طحشة الاحزاب، إلى جانب تحالف نقباء سابقين، كانت طاغية على المشهد الخارجي في انتخابات الاحد. وبدت جميعها في الغالب، ومن خلال التحالفات السياسية المعلنة التي عقدت. كل منها يتطلع الى فوز مرشحه في العضوية. ولم يصل إلا مرشح"القوات"المحامي ايلي الحشاش، والمرشح المدعوم من الحزب "التقدمي الاشتراكي" والحزب "الديموقراطي اللبناني" المحامي نديم حماده. وكان للحزب التقدمي الاشتراكي يده في فوز النقيب مرتينوس، نتيجة تحالفه مع "القوات"، في دعمه، فيما أوصل التحالف الحزبي، الذي دعم المحامي الياس بازرلي، المحامي المستقل موريس الجميل الذي له رصيده المهني أيضًا بين المحامين، ولاسيما منهم الذين عايشوا والده المحامي الراحل رولان الجميل.
اما التحالف السياسي العريض بين "الكتائب" وحركة "أمل" و"حزب الله" والاحزاب اليسارية فلم يفلح في إيصال مرشحة "امل" المحامية سعاد شعيب التي فازت في عضوية لجنة صندوق التقاعد. وعلى هامش هذا الصندوق فقد وافقت الجمعية العمومية للمحامين على نقل 50 الف دولار إليه من صندوق النقابة لتغذيته.
واللافت في نتائج العضوية عدم فوز المرشح العوني المحامي وسيم بو طايع بالمقعد الثامن للعضوية بفارق اربعة أصوات فحسب، وكذلك عدم فوز المرشحة المحامية المستقلة مايا شهاب ، المدعومة من جانب من تيار "المستقبل"، وبأصوات من حزب"الكتائب" وعلاقتها المباشرة مع المحامين بالمقعد الثامن بفارق 35 صوتًا. وصوّت الجانب الآخر من "المستقبل" لصالح النقيب المنتخب مرتينوس.
واستخلاصًا من زاوية طغيان الأحزاب على الانتخابات النقابية، ان هذا الواقع في اضطراد في تأثيره عليها. وما يُحفز هذا الواقع وجود محامين حزبيين من مختلف التوجهات، بحيث بات على المرشح او الطامح الى هذا الترشح ان يبحث عن بوابة دعم حزبي ليتمكن من الوصول. وكل هذا الواقع في كفة، والفائز بالعضوية للمرة السابعة المحامي المستقل وجيه مسعد في كفة اخرى. لقد تمكن من هذا الفوز من جديد من علاقته المباشرة بالمحامين من خلال تراكم عمله النقابي، بعيدًا من الاحزاب على انواعها.