انتخابات عكار... المال الناخب الأبرز
في دائرة "الشمال الأولى"، محافظة عكار، لا يزال المشهد الانتخابي يتّسم بالضبابية، حيث كل الأطراف والشخصيات تظهر حذرها، وتستمر النقاشات والاتصالات ضمن حراك يهدف إلى تكوين تحالفات تؤمن حواصل انتخابية.
ومع ذلك، هناك نواة لثلاث لوائح: واحدة عمودها الفقري "القوات اللبنانية"، والثانية "التيار الوطني الحر"، والثالثة "تكتل الاعتدال"، تضم النائبين محمد سليمان وسجيع عطية، والنائب السابق هادي حبيش، مع معلومات عن إمكانية انضمام النائب الأسبق خالد زهرمان.
وفي هذا الإطار، هناك دراسة حصل عليها " كافيين دوت برس" أجراها علي سموح الحسن، وهو خبير مالي وباحث في الشأن الانتخابي، استند فيها على أرقام الدورات الماضية، تتيح رسم مشهد انتخابي أولي، وتحديد الكتلة التي ستكون محور التنافس، والتي يقدر عددها بنحو 34 ألف صوت فقط. الجدير بالذكر أن الحاصل الانتخابي الأولي عام 2022 بلغ 21200 صوت، فيما يتوقع أن يصل في الاستحقاق المقبل إلى حدود 23500 صوت.
وتشير الدراسة إلى أن عدد المقترعين المتوقع سيكون نحو 165 ألف مقترع، فيما كان العدد نحو 148 ألف مقترع في الدورة الماضية. والزيادة بين الاستحقاقين تقتصر على الفئة العمرية التي بلغت سن الاقتراع، أي 21 عاماً. في حين لا تتوقع الدراسة إقبال فئات لم تنتخب المرة الماضية، وتعزو ذلك إلى عدم وجود دوافع جدية يمكنها تغيير المعادلة وجذب الكتلة غير المكترثة.
فرغم التحولات السياسية الحاصلة، إلا أن عكار لا تزال تعاني من تهميش وحرمان مزمنين، يضاف إليها غياب المشروع السياسي الذي يمكنه استقطاب الشرائح المنكفئة، وخصوصاً المغتربين، بالإضافة إلى وجود فئة عكارية واسعة تقيم في طرابلس وبيروت من أجل العمل والدراسة لا تحظى بالاهتمام اللازم خلال الترويج الانتخابي.
هامش التنافس
ينقسم رقم المقترعين إلى مسلمين ومسيحيين. على الصعيد المسيحي يتوقع أن يبلغ نحو 35 ألف ناخب، 70 في المئة منهم، أي نحو 24 ألف مقترع، يتوزعون على أحزاب مثل "القوات" و"التيار الوطني الحر" و الحزب "القومي السوري الاجتماعي"، أو لديهم التزام ثابت شخصي أو عائلي أو مناطقي. وفي حين يتأثر 20 في المئة منهم بالعامل المالي، يبقى الهامش المتاح للتغيير محدوداً بنحو 10 في المئة، أي 3500 مقترع فقط.
على الصعيد الإسلامي، هناك نحو 10 آلاف مقترع شيعي وعلوي، 75 في المئة منهم يلتزمون بتوجه سياسي محدد، حسبما تشير الدورات الماضية، ويتأثر 20 في المئة منهم بالعامل المالي، ويبقى 5 في المئة منهم، أي 500 مقترع يتنافس على حصد أصواتهم نحو 7 مرشحين في شكل أولي، بما يجعل الكتلة التنافسية شبه معدومة.
أما على الصعيد السني، فيتوقع أن تبلغ النسبة نحو 120 ألف مقترع. 35 في المئة منهم، أي نحو 42 ألف صوت لديهم التزام سياسي، أو عائلي، أو مناطقي. و40 في المئة منهم، أي نحو 48 ألف صوت يتأثرون بالمال. وهذه النسبة لن يستطيع الاستفادة منها إلا النواب الذين لديهم قدرات مالية، مثل محمد سليمان أو يحي، أو بعض المرشحين الجدد ممن تتوفر لديهم إمكانيات مالية مؤثرة مثل سرحان بركات، أو أحمد حدارة، حيث يلاحظ في الأشهر الماضية أنهم يموّلون العديد من المدارس والأنشطة الاجتماعية.
يبقى 25 في المئة من المقترعين السنّة المتوقعين، أي نحو 30 الف صوت، يمكن العمل عليها، وهي نسبة مرتفعة، ويمكنها أن تحدث تغييراً في نتائج الانتخابات إذا ما وجد المشروع السياسي الذي تعوّل عليه، أو ارتسمت لديها قناعة بشخصية قادرة على تمثيلها في البرلمان بجدية، وحمل هواجسها وهمومها. وبالتالي، فإن الهامش الإجمالي المتاح لإحداث تغيير في خريطة التمثيل الانتخابي، من خارج العامل المالي، يبلغ نحو 34 ألف صوت.
من خلال هذه المعادلة، يتبين أمران:
الأول، المال هو الناخب الأكبر والأبرز في دائرة الشمال الأولى، في ظل وجود من يغذيه.
الثاني، في امكان غير المحسوبين على أحزاب أو أطراف وشخصيات سياسية إحداث تغيير في حال وجود مشروع واضح وواعد لا يزال غير متاح، على الأقل حتى اللحظة.
البعريني في مواجهة المال الانتخابي ومرشحي نطاقه الجغرافي
يبلغ عدد مقاعد الدائرة 7 مقاعد: 3 سنة، محمد يحي (كان متحالفاً مع "التيار الوطني الحر") ومحمد سليمان ووليد البعريني "اعتدال"، 2 أرثوذكس، أسعد درغام "تيار وطني حر" وسجيع عطية "اعتدال"، ماروني، جيمي جبور "تيار وطني حر"، وعلوي، أحمد رستم "اعتدال – حليف البعريني".
ويواجه النائب وليد البعريني معضلة تتمثل بوجود 3 منافسين بارزين في نطاقه الجغرافي الذي يشكل قاعدته الناخبة الأساسية والمعروف بـ"جرد عكار". الأول محمد بدرة، الذي دخل الانتخابات الماضية كمرشح تغييري ونجح في تسجيل رقم لافت وهو 9300 صوت، ويتمتع بحاضنة مناطقية وقاعدة تغييرية. الثاني محمد عجاج إبراهيم، الذي خاض الانتخابات الماضية ضمن لائحة "القوات"، وحصد 3500 صوت، ولديه حاضنة مناطقية. الثالث سرحان بركات، وهو رجل أعمال آت من استراليا، استطاع تسجيل حضوره من خلال مجموعة من الأعمال والمساهمات الاجتماعية، ولديه حاضنة عائلية.
وتشير المعطيات الى ان البعريني بين خيارين إما التحالف مع "القوات"، بالإضافة إلى علي طليس، عضو "المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى" الأسبق، والذي حصد 6600 صوت المرة الماضية، أو مع "التيار الوطني الحر".
مرشحة واعدة والعوني يبحث عن حليف سني
يواجه المقعدان السنيان اللذان ذهبا المرة الماضية إلى "وادي خالد" منافسة جدية، في ظل الحديث عن عزوف النائب محمد يحي عن الترشح لحساب ابن شقيقه علاء مصطفى يحي. وكذلك ترشح الدكتورة جنان عبد القادر من "جبل أكروم" الذي يضم كتلة ناخبة مؤثرة، وهي مقرّبة من القوات اللبنانية ونجحت خلال الاعوام الماضية في تثبيت حضورها في شكل لافت، وخلق هامش تنافسيّ جديّ يمكن أن يفضي إلى إحداث خرق نوعيّ بوصول أول سيدة من عكار إلى البرلمان.
في المقابل، تشير المعلومات إلى أن "التيار الوطني الحر" لديه 3 مرشحين، النائب جيمي جبور عن المقعد الماروني، وحيدر عيسى عن المقعد العلويّ، فيما لا يزال الخيار غير محسوم على اسم المرشح على واحد من المقعدين الأرثوذكسيّين بين النائب أسعد درغام، وفادي بربر. ويجري التيار البرتقالي اتصالات مع العديد من القوى والشخصيات السنية لإبرام تحالف، بدءًا من المرشحين الذين يدورون في فلك تيار المستقبل، و "الجماعة الإسلامية"، والنائب وليد العريني، أو حتى مع شخصيات سنيّة مستقلة لديها قاعدتها الناخبة.
وييقى ان هذه الصورة الأولية للمشهد الانتخابي في دائرة "الشمال الأولى"، ستكون عرضة لتبدلات وتطورات مستمرة، ريثما ترتسم التحالفات، وتتحدد الميزانيات، حينها يبدأ الزخم الفعلي.