السعودية تتحرّك في الساحة السنيّة واللبنانية
الموفد السعودي يزيد بن فرحان
توقيت تحرّك السعودية تجاه لبنان، يحمل اكثر من نقطة لافتة. لانها تأتي في وقت تشتدّ حدّة الرسائل التي تصل الى لبنان حول احتمالات التصعيد الاسرائيلي، الذي تمّ التلويح فيه خلال الساعات الاخيرة وعلى مستويات عالية. ومن جهة اخرى تزامنًا مع التحرك الاميركي تجاه سوريا.
تريد واشنطن ان تكون سوريا الجديدة عمودًا فقريًّا في المنطقة. وهذا الامر تتجاهله السلطة في لبنان تجاهلًا تامًا. لان الادارة الاميركية تسعى في المشهد العام الى سحب وجودها من المنطقة، لكن مع تركيز نقاط قوة تستند اليها، فلا تضّطر، الى ان تكون حاضرة عملانيًّا. من نقاط القوة هذه تتحول سوريا بدورها، وبعدما صاغت واشنطن حوارات مباشرة مع حماس، الى قاعدة اساسية لسياسة اميركية متجددة في دول الجوار، ولبنان حكمًا سيكون من احد الساحات الملحقة بها تلقائيًّا.
ازاء الانفتاح الاميركي الواسع على سوريا، والتعامل مع الرئيس السوري احمد الشرع كأحد الحلفاء، تجد تركيا نفسها على تقاطع سياسي في المنطقة، مع محاولة ترك تأثيرات مباشرة على سوريا ولبنان "الشمالي" ضمنًا. وبذلك يتحول الشارع السنيّ، ساحة خصبة لتأثيرات تركيا ، في وقت يجد هذا الشارع نفسه متروكًا من دون قيادة ممسكة بزمام الامور.
في هذه اللحظة تسعى السعودية الى التقاط الفرصة. تعيد السعودية رسم سياستها في لبنان سياسيًّا، ازاء مشهد تتحمّل مسؤوليّة الوصول اليها حين صاغت تسوية رئاسية حكوميّة، اظهرت حتى الان انها عاجزة عن التفاهم في ما بينها. فعدا عن فقدان الودّ بين رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام الذي يظهر بملامح عدة، يسجل تعثّر رئاسي في فرض خطة حصر السلاح، والتقدم خطوة الى الامام في لبنان بعد مضي 11 عشر شهرا على انتخاب عون، الذي ضغطت السعودية بقوة على حلفائها من المسيحيين لانتخابه. وفي حين تحمّل عواصم اوروبية، عدا عن واشنطن، الرياض مسؤولية ما جرى منذ سنة الى الان، ترى نفسها اليوم محاصرة من جهة بضرورة التحرك كي لا تسمح باخراجها من الساحة السنيّة واللبنانية عموما.ومن جهة اخرى في اصلاح بعض ما تمّ ارتكابه على طريق التسوية التي صاغتها.
اما كيف يمكن اصلاح ما حصل، فهذا امر آخر. فالرياض حتى الاشهر الاخيرة كانت لا تزال تمسك بالوضع اللبناني من دون الاقدام على اي من الخطوات العملية كدعم المؤتمرات الدولية، كي لا يُفهم منها انها راضية على اداء السلطة في لبنان. وهي في الوقت نفسه ستكون مضطرة الى ان تواجه اي حراك تركي، في لبنان على الساحة السنية فلا تخسر موقعها. وخصوصا في مرحلة الانتخابات، حيث يمكن ان يكون كذلك تأثير للدور السوري بحكم الامر الواقع. عدا عن ذلك، فان اي تأخر في الخطوات السعودية السياسية والاقتصادية، من شأنه ان يضاعف من تراجع تأثيرها المباشر، في وقت يحتاج فيه حلفاؤها الى مزيد من الدعم على المستويين من اجل مواجهة المرحلة المقبلة. لا سيما ان الولايات المتحدة اليوم، باتت تقف بقوة الى جانب اسلوب الحزم تجاه لبنان، وهو امر لا يزال المسؤولون في لبنان يتجاهلونه عمدًا ويخففون من وقعه. وقد يكون توقيت مجيء السفير الاميركي ميشال عيسى، مبكرًا الى لبنان، مناسبة كي يسمع هؤلاء المسؤولين بانفسهم رأيًا واضحًا وصريحًا، بما يقبل عليه لبنان. والسعودية ازاء ذلك، مضطرة الى ان تقف الى جانب خيارات مباشرة من اجل تطويق تداعيات المرحلة المقبلة.