السعودية تندفع في سوريا وتتريّث في لبنان
بن سلمان والشرع
لن تكون الصورة المنتظرة للقاء بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب والسوري احمد الشرع، الاثنين المقبل مجرد صورة لقاء رسمي في البيت الابيض. الشرع الذي واجه عقوبات دولية عليه، اصبح الرئيس الذي تتحول الانظار اليه في نيويورك اولًا وبعد ايام في واشنطن، حيث يجتمع مع ترامب للمرة الثانية بعد لقاء اوليّ على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
الاميركيون الذي يحتضنون الشرع، وتتكرر زيارات المسؤولين السياسيين والعسكريين الى دمشق، يحوّلون سوريا تدريجا الى ورقتهم الرابحة في المنطقة، وان كانت سوريا اصبحت اجزاء متقطعة. لكنهم باتوا يديرون التفاصيل الامنية والعسكرية بدقة، وهو امر يُستشف في كل اللقاءات التنسيقية التي تعقد مع اكثر من جهة عربية ولبنانية. واذا كان ترامب طلب رفع العقوبات عن الشرع امميّا، فان ما يساهم كذلك في تعزيز حضوره رعاية السعودية له، وتعبيد الطريق امامه نحو واشنطن. لا سيما ان زيارة الشرع تأتي قبل نحو اسبوع من زيارة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الى واشنطن ـــــــ الذي التقى الشرع الاسبوع الفائت ــــــــــ في زيارة مفصلية تعقب خطة ترامب لوقف النار في غزة والتمهيد لعلاقات تطبيعية مع دول الجوار.
وبين سوريا التي تريد الرياض تفعيل دورها الاستثماري والسياسي فيها، مقابل الدور التركي، وبين لبنان الذي تضعه السعودية حاليّا في غرفة الانتظار، يصبح الوضع اللبناني اكثر هشاشة. فحين اصرّت رئاسة الجمهورية مرارًا على تزيين زيارة رئيس الجمهورية جوزف عون الى نيويورك ونجاحها، كان الشرع يرسم طريقه مع وزير خارجيته اسعد الشيباني الى ان تصبح سوريا في اولويات واشنطن. واليوم تسعى السعودية الى تفعيل هذه الاولويات في وقت تتحفظ عن القيام باي خطوة تجاه لبنان، كي لا يُفهم منها قبولها بسياسة الحكم الحالي.
ثمة مفارقة اساسية في اضطرار الرياض الى عدم الانقلاب الكليّ على خيارها في تزكية انتخاب عون رئيسا للجمهورية والطلب من حلفائها في لبنان التصويت له. لانها حتى الساعة لا تزال تأمل في ان تنجح الضغوط الاميركية في اقناع السلطة اللبنانية بعدم الانجرار وراء خيارات قد تؤدي مجددًا الى ادخال لبنان في نفق مسدود. وهي لا تريد اظهار تخليّها المطلق عن لبنان، لكنها تبقي هامشًا واسعًا امام تجميد نشاطها فيه، كما فعلت مع التخلي عن فكرة دعم اي مؤتمر دولي لمساعدة لبنان وجيشه. لان لبنان حاليّا يشكّل كذلك نقطة تقاطع مع الوضع السوري، كما انها تريد الاستثمار فيه في مرحلة لاحقة، مع الانتخابات النيابية اذا حصلت في موعدها، ليس فقط في الجوّ السنيّ انما كذلك مع حلفائها المسيحيين. لكنها حاليّا، تنتظر كيف سيتعامل لبنان مع سلاح حزب الله، وان كانت لاسباب علاقتها مع ايران، لا تتعامل مع هذا الملف الا من باب التحوّط. فلا تتصرف على انها تدفع لبنان الى اتخاذ خيارات مصيرية تحت الضغط. ومع ذلك تنتظر ان يبادر لبنان الى نصف الطريق، للتوصل الى تفاهمات مشتركة معها ومع الاميركيين في الانتهاء من ملف حزب الله العسكري، حتى لا تنتقل من مرحلة التريث الى مرحلة الانكفاء، كما حصل سابقًا. علمًا ان في واشنطن من لا يزال يحمّلها مسؤولية التوصل الى تفاهمات ادت الى هذا المشهد الحالي الذي بدأ بتغطية سعودية كاملة للعهد، الذي لم يكمل السنة الاولى بعد، الا والسعودية رغم تكرار زيارات موفديهاالى بيروت، بدأت تشعر بحجم الخطأ الذي وقعت فيه.