المسيحيون واحتمالات التغيير الجغرافي في سوريا الجديدة

لاجئون سوريون عادوا الى بلادهم
لا يمكن ان يمرّ شهر ايلول من دون ذكر النداء الاول لمجلس المطارنة الموارنة والبطريرك مارنصرالله بطرس صفير. قد لا تكون الذكرى بعد 25 عاما على النداء الاول، لا تزال حيّة في اوساط سياسيين من الذين كانوا على ضفة اخرى من النداء، او حتى من الذين صعدوا لاحقا سلّم السياسة على انقاض مراحل سياسة مغايرة بالشكل والمضمون. ومع ذلك تبقى لسوريا حصة وافرة في ما كان النداء يحمله من رسائل، وما استتبعه لاحقا من تشكيل " قرنة شهوان" عنوانا سياديا استمر قائما لسنوات، وانتهى مع خروج الجيش السوري من لبنان، ومن ثم انقسام المسيحين مجددا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ.
بنى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع خطابه الاخير في ذكرى شهداء القوات اللبنانية على افكار عدة بينها انه الخطاب الاول بعد سقوط النظام السوري بشار الاسد ونظام والده الرئيس حافظ الاسد، والمؤشرات التي يمكن البناء عليها في العلاقة مع سوريا في ظل حكم الرئيس السوري احمد الشرع. الاكيد ان ثمة سوريا جديدة، بعد سقوط الاسد، لكن المسيحيين لا يزالون منقسمين تجاه الشكل الجديد لسوريا، والذي لم يتبلور بعد في نهائياته قبل ان تنضج ظروف المنطقة سياسيا وجغرافيا.
ثمة اشكالات عدة في مقاربة رؤية المسيحيين لسوريا تنطلق من مفهومين مغايريين تماما: فريق يرى ان سوريا الشرع اصبحت حليفة للبنان، وفريق يرى ان ما جرى في سوريا من الساحل السوري الى السويداء لن يجعل من سوريا حليفة للبنان ولا للمسيحيين،في وقت قريب. وتدخل في هاتين المقاربتين، مواضيع سياسية واقتصادية والنازحين والامن والارهاب وبقية العناوين المتفرعة.
لا شك ان ثمة غطاء شرعيا اليوم، للعلاقة مع سوريا مختلف تماما عن ذلك الذي كان يوم اطلق النداء الاول، اذ توجد تركيبة رئاسية وحكومية تتولى العلاقة مع سوريا في نظامها الجديد. رغم استمرار وجود اشكالات لم تحلّ بعد وتتعلق بنواح ديبلوماسية وبالتنسيق الشامل في قضايا السجناء السوريين والنازحين، وهي القضية التي لم تجد بعد اي اطار فاعل لحلّها.
لكن في موازاة الغطاء الشرعي للعلاقة مع دمشق، لا يمكن تخطي ما يُرسم لسوريا من احتمالات قد تنعكس على لبنان، وتأخذ في طريقها مستقبل العلاقة بين البلدين ووضع المجموعات اللبنانية. وهذا يتخطى اي تنسيق ديبلوماسي او المظلة السعودية للعلاقة بين البلدين والترتيبات الامنية القائمة حتى الان.
الضربات العسكرية والتدخل الاسرائيلي الاخير عبر عمليات قرب دمشق، وما جرى من تطورات في السويداء وما لاسرائيل ان تقوم به من عمليات ربط جغرافية ووصل مناطق الجنوب السوري وتوسيع المنطقة العازلة، مؤشرات ترسم مستقبلا لسوريا قائم على احتمال حصول متغيرات سياسية وجغرافية. ولا سيما اذا اضيفت اليها حيثيات مناطق الاكراد، والتطورات التي لا تزال فاعلة في الساحل السوري والاحداث اليومية فيه. بذلك قد لا تكون كافية الرعاية السعودية التصاعدية للنظام الحالي، في المدى المنظور، في ظل الضغط الاسرائيلي واحتمالات توسع عملياته من غزة الى الضفة الغربية، وتأثيرات ذلك على سوريا والاردن. وهذا يعني استطرادا الوضع اللبناني واحتمال الا تبقى التعهدات التي اعطيت للبنان بعدم حصول تطورات حدودية من الجهتين الشمالية والبقاعية، قائمة ازاء اي ملامح تغيير جغرافية وسياسية تطال سوريا.
كل ما يُرسم حتى الان من السيناريوهات المتداولة غربيا، لسوريا، سيكون له تبعاته على لبنان ، الذي يتجاهل حتى الان ما يحصل في سوريا لجهة المشهد العام. في حين ان ما يحصل درزيا وعلويا يتم التعاطي معه طائفيا لجهة مستقبل كل من المكونين. في حين ان المسيحيين لا يزالون ابعد عن مقاربة التطور السوري من هذا المنظار. وهنا تكمن اهمية الكلام الجدي عن مستقبل العلاقة بين البلدين على اسس سوية، من جهة السلطة الرسمية بمقاربة موسعة لكل الملفات العالقة امنيا وقضائيا وسياسيا. اما على المستوى المسيحي، فمن الواضح ان الانقسام في الرؤية تجاه سوريا، يحتمل الكثير من التأويلات، لا سيما في معالجة جدية لموضوع النازحين السوريين، خارج الضغط الذي تمارسه بعض الجهات والشخصيات المقربة من سوريا الشرع. ولا يمكن تجاهل محاولات تجميل الواقع السوري الجديد، من دون الاخذ في الاعتبار المتغيرات التي حصلت داخل سوريا، والتي يمكن ان تتمدد في اي لحظة نحو لبنان. كما لا يمكن القفز فوق مستقبل المكونات المسيحية في المنطقة وسوريا من ضمنها. والبابا ليون الرابع عشر الاتي الى تركيا ومن ثم لبنان، سيعطي هذا الحيز اهميته، لا سيما بعد الانتقادات التي وُجهت للنظام السوري بعد التفجيرات والاعتداءات التي استهدفت المسيحيين في اكثر من منطقة في سوريا.