الدستوري: القانون اللاحق لـ"لاصلاح المصرفي" يزعزع الامان التشريعي

انتهى قرار المجلس الدستوري إلى تأييد شبه كامل لقانون إصلاح وضع المصارف رقم 23/2025. وأبطل جزئية فيه من خلال الطعن المقدم من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وعدد من نواب التيار.
لقد أثار الطعن أسبابًا عدة اورده هذا القانون منها تعريفه المودعين بانهم الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون أي (الأفراد والشركات) الذين يبرمون عقد وديعة مصرفية مع مصرف بهدف حفظه وإستثماره، وفق شروط متفق عليها مع التزام هذا المصرف، بردّ هذا المبلغ عند الطلب او في تاريخ محدد مع او بدون فوائد. وإعتبروا ان هذا التعريف خطير لأنه يحمل على الاعتقاد أن اصحاب الودائع الإستثمارية هم مضمونون ومحميون كاصحاب الودائع، بحسب قانون النقد والتسليف وقانون التجارة، لجهة ان المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغًا من النقود يصبح مالكًا، وعليه ان يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة او دفعات عدة عند اول طلب من المودع او بحسب شروط المهل أو الإعلان المسبق المعينة في العقد. واوضح قرار المجلس الدستوري، في ردّه على هذا السبب، ان القانون المطعون فيه شمل هاتين الفئتين من المودعين وهم"أصحاب الودائع بهدف حفظها او إستثمارها"، ما يعني،بحسبه، انها تشير الى نوعين من عملاء المصارف، وهم المودعون الذين يودعون المال بهدف حفظه، والمودعون الإستثماريون أي اصحاب السندات او ادوات مالية إستثمارية أخرى، ويكون كل منهما في موقع قانوني مختلف عن الآخر.كما لحظ الملحق رقم ١ لهذا القانون تراتبية في توزيع المسؤوليات مختلفة لحماية تلك الفئات على درجات متفاوتة. وعَلّل ان هذا التمييز بين الفئتين في المعاملة متوافقًا مع غاية القانون ومتناسبًا معها.
وفيما إعتبر القرار ان مجلس النواب هو صاحب سلطة التشريع عملًا بأحكام المادة 16 من الدستور، ويعود له وحده تقدير ملاءمة التشريع، ومن حقه تاليًا ان يضع او يُعدّل ويُلغي قانونًا، ما لم يخالف نصًا دستوريًا، وذلك طبقًا لما سار عليه إجتهاد المجلس الدستوري، لم يوافق في قراره الجهة الطاعنة لجهة إثارتها عدم جواز ربط نفاذ هذا القانون بإقرار قانون لاحق عن الانتظام المالي واسترداد الودائع الأمر غير الدستوري، وما يجعل القانون غير مكتمل العناصر وغير ضروري وغير قابل للتطبيق. لقد وصف قرار الدستوري هذه الواقعة بأنها "تشكل سابقة غير مألوفة تزعزع الأمان التشريعي في دولة القانون التي عليها ان تضمن استقرار القواعد القانونية وجودة التشريع، وأن تكفل ثقة الأفراد في النظام القانوني. لكنه لا يعتبر ان ذلك يشكل مخالفة للدستور او للمبادئ ذات القيمة الدستورية التي تفضي الى إبطال قانون إصلاح وضع المصارف في لبنان.
وفي مناقشته احد اسباب الطعن المتعلق بحماية الملكية الفردية المتمثلة بأموال المودعين ، وعدم حماية القانون الجديد للودائع وتحويل المودعين الى مستثمرين، علَّل القرار "يتبين من القانون (المحدث) انه أحاط أصحاب الودائع المؤمنة وغير المؤمنة بالحماية بإدراجهم في الفئتين 7 و 8 في سُلّم تراتبية توزيع المسؤوليات وتحمل الخسائر، كما هو ملحوظ في الملحق رقم 1 من القانون. إلا انه ذهب الى ان "حق الملكية ليس حقًا مطلقًا، ويعود للمشترع تقييده حفاظًا على المصلحة العامة،شرط ان لا يفرغه من جوهره".
وفي تطرقه الى مناقشة سبب آخر للطعن لجهة المخالفة الناتجة من إنشاء الهيئة المصرفية العليا بموجب هذا القانون، المستضافة من مصرف لبنان والممولة منه، وتمتعها بصلاحيات قضائية كبرى، وتخويلها إقرار إصلاح وضع المصرف او شطبه وتصفيته بالاستناد الى تقرير تقييمي نهائيّ ترسله لجنة الرقابة على المصارف، مستندة إلى تقرير مُقيِّم مستقل يحدد القيمة الصافية لموجودات المصرف، من شأنه، وفق الجهة الطاعنة، تعقيد الاجراءات في نظرها. وردّ الدستوري على ذلك ان مجموعة مؤشرات متعارف عليها تدل على ان الهيئة المصرفية العليا هي من نوع الهيئات الإدارية المستقلة، ومن بينها ارتباطها ماليًا وعضويًا بمصرف لبنان ويترأسها حاكم مصرف لبنان، وقراراتها خاضعة للطعن امام القضاء المختص ما يشكل إحدى الضمانات الأساسية للمتقاضي المتضرر المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور، إلا ان الحدّ من حق التقاضي بالطريقة التي ورد فيها في المادة 31 منه بعدم الإجازة للمحكمة وقف تنفيذ القرار الصادر عن الهيئة المصرفية العليا او إبطاله، وحصر صلاحيات المحكمة بالحكم بالتعويضات المالية من دون غيرها من المطالب، يشكل انتقاصًا من الضمانات التي اوجبت المادة 20 من الدستور حفظها للمتقاضين، ويتعارض مع احكام الدستور والمبادئ ذات القيمة الدستورية ما يقتضي إبطال العبارة الواردة في ذيل المادة 31 من الدستور.
كما إعتبر الدستوري انه لا يمكن لمجلس النواب إلزام الحكومة المبادرة إلى إحالة مشروع قانون ما إليها. ولحظ في ذلك تدخلًا في عمل السلطة التنفيذية، يشكل إخلالًا بمبدأ الفصل بين السلطات. وتبعًا لذلك أبطل عبارة " الملزمة الحكومة إحالته على المجلس النيابي ليصار إلى إقراره".