أخلي سلامة وبقي اللغز سجينًا

لفت اول قرار تخلية في السنة القضائية الجديدة بعد اسبوعين على بدئها يتصل بالحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لقاء كفالة مالية ضخمة لم يشهدها القضاء من قبل. سددت نقدًا، واودعت صندوق تعاضد القضاة لرفض الصندوق المخصص لدفع الغرامات والكفالات المالية تسلم هكذا مبلغ، فهو لم يسبق ان صادف حجمه يومًا. وبقي في امانات صندوق التعاضد إلى حين بت الدعوى العالقة في حقه، وتتصل بإختلاس اموال عامة بقيمة 43 مليون دولار من خلال حساب الإستشارات، امام محكمة الجنايات في بيروت، على ان يصدر قبل ذلك القرار الإتهامي من الهيئة الإتهامية في بيروت. وهي المحطة الأخيرة من التحقيق قبل الإحالة على المحاكمة. وأحيانًا تشكل قيمة الكفالة مؤشرًا في سياق الملف وعلى أي برّ سيرسو. وتستبعد مصادر متابعة ان يبلغ هذا الملف نهاياته قريبًا بصدور حكم بالتبرئة أو بالإدانة لعدم وجود موقوفين في الملف، في وقت يبقى مصير الكفالة المالية عالقًا، ومجمّدًا حيث هو ، لحين صدور الحكم النهائي في حق سلامة بتبرئته فيستردها مع الخمسة مليارات ليرة التي هي كفالة ضمان حضوره الجلسات، وفي حال الإدانة تُصادر قيمة الكفالة المالية.
الهيئة الإتهامية أخلت الحاكم السابق لمصرف لبنان بعدما أخذت في الاعتبار مدة توقيفه وبلغت 13 شهرًا ونيف وتقرير اللجنة الطبية المعينة من هذه الهيئة بعدما كشفت على وضع سلامة الصحي، وسبق ذلك أطباء إختصاصيون عاينوه في مرحلة متابعته من النائب العام التمييزي جمال الحجار . وردت طلب تخليته لقاء إلغاء الكفالة المالية نظرًا إلى ماهية الجرم المسند إليه، إنما قررت خفضها ستة ملايين دولار، بعدما كانت الهيئة الإتهامية السابقة بالتكليف وافقت في الطلب الأول على تخليته بكفالة 20 مليون دولار . ولم تبحث الهيئة الأصيلة من ثم بطلب وكيل الدفاع لجهة تخليته تطبيقًا لأحكام المادة 108 في قانون أصول المحاكمات الجزائية، أي إطلاق سلامة بحق رغم تقديم وكيله المحامي مارك حبقة بعد يوم واحد من دخول هذه المادة حيّز النفاذ.
ويُستشف من قيمة الكفالة المرتفعة في طلبي التخلية ان توجه القضاء هو التمسك بقيمة هذه الكفالة الضخمة رغم إصرار جهة الدفاع عن سلامة إقتضاء تخلية موكلها بحق، بحسب هذه المصادر التي تشير الى ان قرار الهيئة الإتهامية غير قابل للتمييز.
منذ فتح ملفات سلامة أمام القضاء تباين الرأي في شأن ملاحقته. فمحبذو ملاحقته وتوقيفه يعتبرون انه يتحمل مسؤولية عما حل من ازمة مالية في البلاد وما لحقها من إنهيارات، وما إستتبع ذلك من دخول القضاء الفرنسي ثم الالماني على خط فتح تحقيق بدورهما عام 2023، وصدور مذكرة توقيف دولية بحق الحاكم السابق لمصرف لبنان عن كل منهما لشبهة مراكمته أصولًا عقارية ومصرفية وإساءة إستخدامه أموالًا عامة. وصدرت المذكرتان في غياب سلامة. وعزا وكيله الفرنسي عدم حضوره إلى عدم تبليغ موكله بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي وفق الأصول.
أما المعترضون فاعتبروا ان توقيف سلامة كان " كبش محرقة"، وهو بذاته إعتمد هذه العبارة أيضًا في مقابلة تلفزيونية معه عشية توقيفه. لقد طالبه هؤلاء المعترضون بالإفصاح عن تداعيات الأزمة المالية، مثلما طالبوا القضاء بالتحرك لكشف المتورطين في الازمة المالية، وفكّ اللغز الذي تدور حوله. بيد ان الملفات التي يعالجها القضاء المحلي تُعدّ فرعية من وجهة النظر القانونية، طاولت مَن حوله في الدائرة الصغرى، وتختلف طبيعتها عن الأزمة المالية في شكل عام، التي يتحدث عنها المعترضون. ولا يبدو ان هذا اللغز سيُبصر النور في المدى المنظور.