12 ألف ناخب عشائري قد يغيّرون موازين زحلة

12 ألف ناخب عشائري قد يغيّرون موازين زحلة

الشيخ اللويس( الثاني من اليمين)

في عمق البقاع اللبناني، تتقدّم العشائر العربيّة بهدوء نحو موقع سياسيّ لا يمكن تجاهله. فهذه المجموعات التي حافظت عبر عقود على جذورها العربيّة وصلاتها الاجتماعيّة الممتدة، لم تتخلّ يومًا عن هويتها اللبنانية، إنّما اندمجت في محيطها الأهلي والسياسي، حتّى باتت كتلة انتخابيّة تتعامل معها القوى السياسيّة بقدر من الحذر، وشيء من الطمع أيضًا. وعلى الرغم من أنّ أبناء هذه العشائر موزّعون على مساحات واسعة من البلاد، فإنّ ثقلهم الحقيقي يتمركز في البقاع الأوسط، حيثُ يُسجّل حضورهم في الفاعور وتربل ورياق وكفرزبد وبرالياس وسعدنايل والدلهميّة وقب الياس ومدينة زحلة.

منذ عام 2009 حاولت العشائر أن تتقدّم سياسيًّا عبر ترشيح شخصيّة من أبنائها للمقعد السني في زحلة، غير أنّ تلك المحاولة اصطدمت برفض القوى السياسيّة التي لم ترَ مصلحة في دعم هذا الخيار، فتشتّت الصوت العشائري على اللوائح المختلفة، واستمرّ هذا الواقع حتّى انتخابات 2022.

اليوم، تشير مصادر سُنيّة ذات وزن سياسي إلى أنّ عدد الناخبين المنتمين إلى العشائر في البقاع الأوسط بلغ ما يُقارب 12 ألفاً، وهو رقم كفيل بقلب نتائج أي معركة انتخابيّة في دائرة شديدة التعقيد كزحلة. وقد حاولت العشائر في الدورة الماضية دعم الشيخ وليد اللويس كمرشّح من صفوفها، لكنّ القوى السياسية لم تتبنَّ ترشيحه، ما أدى إلى سقوط المبادرة قبل أن تكتمل.

وتكشف المصادر نفسها لـ"كافيين دوت بريس" أنّ نوايا ترشيح شخصيّة عشائريّة في البقاع الغربي باتت شبه مؤكدة، إلاّ أنّ المشهد في البقاع الأوسط يبدو مختلفًا، إذ لا مؤشرات إلى أي تحرك فعلي أو اسم مطروح. أمّا النقطة الأكثر حساسية فتتمثّل في تحوّل أصوات العشائر إلى مادة للمساومات، اذ تؤكد المصادر أنّ غياب القيادة الموّحدة جعل تلك الأصوات عرضة للبيع والشراء، في ظل قانون انتخاب يحتاج فيه أي مرشّح أو لائحة إلى بضعة آلاف من الأصوات لضمان بلوغ الحاصل الانتخابي.

وتشير إلى أنّ النائب ميشال ضاهر استفاد في شكل واضح من هذه الأصوات في دورتي 2018 و2022، ما ساهم في تحقيقه خرقًا انتخابيًّا مهمّا. وتذهب المصادر إلى القول إنّ أي مرشّح يفتقر إلى دعم حزبي قوي أو موارد مالية كبيرة لا ينبغي له التفكير في خوض معركة زحلة، حيثُ أصبحت الكلفة المادية عاملاً حاسمًا لا يقل وزنًا عن الشعبية.

وفي موازاة الصورة العامة، تبرز عشيرة عرب الحروك التي يُقدَّر حجمها بنحو ثمانية آلاف صوت، ما يجعلها قوة انتخابية معتبرة داخل المشهد الزحلاوي. ومع ضبابية التحالفات وتبدّل الاصطفافات، بدأت تحركات العشيرة تثير قلق أطراف متعددة، خصوصاً أنّ أي تعديل في اتجاهها قد يحمل معه تغييًرا جديًّا في موازين القوى.

وفي جولة لموقعنا داخل أروقة بلدة برالياس، بدا المشهد أكثر تعقيداً ممّا تظهره الأرقام. فالشيخ وليد اللويس، الذي كان اسمه مطروحًا في الدورة الماضية، ومقلّ جدًّا في الكلام، اكدّ لموقع "كافيين دوت برس" أنّ لا قرار انتخابيًّا حتّى اللحظة، وأنّ الضبابيّة السياسيّة قد تُطيح بالاستحقاق قبل أن يبدأ. فالمشهد اللبناني، كما يقول، يتأرجح بين التصعيد والتهدئة، فيما لا تملك الدولة موقفاً واضحاً حول إجراء الانتخابات في موعدها.

 ويرى أنّ ما يُشاع عن استمرار الحظر السعودي على تيار "المستقبل" ينعكس مباشرة على الساحة السنيّة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنّ المملكة العربية لطالما تعاملت مع الساحة اللبنانية من منظور وطني، بعيداً عن التدخل في التفاصيل الدقيقة أو صناعة الزعامات المحليّة.

وعلى الرغم من أنّ العشائر العربيّة في البقاع الأوسط تشكّل نحو 12 ألف ناخب،  99في المئة  منهم من الطائفة السنية، فيما واحد في المئة سُجلوا على انهم مسيحيون - موارنة بحسب مرسوم التجنيس عام 1994، فإنّ اللويس يعتقد أنّ المشكلة لا تكمن في الحجم إنّما في غياب القيادة الموّحدة. فبعد غياب "المستقبل"، لم يظهر أي إطار جامع يلمّ شتات الصوت السنيّ، ما أدى إلى تراجع القدرة على تشكيل لائحة قوية أو إنتاج مرشح قادر على استقطاب جمهور واسع.

ويقدّر الشيخ وليد أنّ مجموع الأصوات السُنيّة في البقاع الأوسط يُقارب 60 ألفاً، وهي قوّة كان يمكن أن تُحدث تغييرًا واسعًا لو أنها اجتمعت خلف مرجعيّة واحدة، إلاّ أنّ التشتت الحاليّ يجعل تأثيرها موّزعًا، وقد يصبح أكثر تشتتًا في الدورة المقبلة.

هذا الواقع انعكس، بحسب اللويس، على طريقة تعاطي القوى السياسيّة مع الصوت السنيّ، الذي بات يُستخدم في أحيان كثيرة كرقم تكميليّ لرفع الحاصل، لا كمكوّن شريك في القرار. ويشرح قائلًا "إنّ بعض اللوائح تبحث فقط عن مرشّح قادر على تأمين ألفَي صوت، ما يحوّل الناخب السني إلى أداة لسدّ ثغرة رقمية في اللائحة". رغم أنّ الطائفة السنيّة، كما يقول، قادرة على حشد ما يصل إلى 30 ألف صوت لو توحّد نصف الناخبين السُنّة، فإنّه يرفض تحوّلهم إلى كتلة مغلقة، لأنّ هدفهم ليس الانفصال السياسي بل المشاركة المتوازنة داخل النسيج الوطني.

وعن احتمال ترشحه في الدورة المقبلة، يختم اللويس حديث بالقول إنّ ترشيحه السابق جاء بضغط من العشائر، لكنّ الظروف الحالية وغياب المعطيات المشجعة يجعلان احتمال ترشحه في الانتخابات المقبلة شبه معدوم بنسبة   99في المئة.

وهكذا، تقف العشائر العربيّة اليوم عند مفترق طرق. قوةٌ انتخابيّة كبيرة بلا قيادة موحّدة، ومكوّن قادر على التأثير دون أن يمتلك هوية سياسية واضحة. وبين حسابات القوى المتنافسة وواقع الساحة السنيّة المتشتت، تبقى هذه الكتلة ورقة انتخابيّة قد تُعيد رسم المشهد في زحلة، إذا ما قررت الانتقال من موقع القوة الصامتة إلى موقع اللاعب الفعليّ في المعادلة.

فمن الجهة التي ستنجح في استثمار هذه الأصوات خلال انتخابات عام 2026؟

 

اقرأ المزيد من كتابات كارين القسيس