أزمة السلاح: لبنان على حافة مواجهة صعبة والتراجع يعني الخسارة

أزمة السلاح: لبنان على حافة مواجهة صعبة والتراجع يعني الخسارة

يتهيَّب السياسيون، الوزراء خصوصاً، نتائج جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً لمناقشة تقرير قيادة الجيش اللبناني عن تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة، باعتبار أنها ستُطلق مواجهة لا يمكن تفاديها، وكل الأمل أن تبقى محصورة في السياسة.

​يقول أحد الوزراء طالباً عدم ذكر اسمه لـ"كافيين دوت برس" إنه وزملاءه الذين يشاركونه الموقف من سلاح "حزب الله" يخشون العودة، في حال عدم تطبيق القرار الحكومي، مجرَّد أصوات تتحدث لغة المعارضة وترفع شعاراتها، فيما هم جالسون إلى طاولة مجلس الوزراء ويشكِّلون غالبية حاسمة حولها، تماماً كما كان عليه الوضع في السنوات التي تلت عملية "7 أيار".

​التهيُّب يساور أيضاً الوزراء الذين يُمثِّلون ما اصطُلِح على تسميته "الثنائي الشيعي"، لشعورهم بأنهم يقتربون من "خط أحمر" رسمه الجانبان. وهم وجدوا أنفسهم في نزال مفروض عليهم، والمطلوب منهم فيه التوصل إلى تحويل قرار مجلس الوزراء الشهير بحصر السلاح قراراً مبدئياً ومن دون جدول زمني للتنفيذ، وأيضاً إقناع الباقين بأن أفضل السُبُل لتجنيب البلاد مواجهة لا يمكن التكهُّن بنتيجتها هي الذهاب إلى الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري. بمعنى أنهم لا يقولون "لا" صريحة، كما يعلن "الحزب" خارج مجلس الوزراء، بل إن المسألة تحتاج إلى وقت للبحث والمناقشة وتقليب الآراء.

​وتقول مصادر من الائتلاف غير المعلن، والمصرّ على تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة، إن ما يقدِّمه "الثنائي" من مواقف وتصريحات هو ذرائع لعدم تخلّي "الحزب" وحلفائه عن السلاح. وبذلك يُرفَض أهم قرار اتخذته الدولة منذ 65 سنة، تاريخ التخلِّي عن جزء من السيادة اللبنانية عبر "اتفاقية القاهرة" عام 1969، والذي يقضي باستعادة هذه السيادة كاملة وطَيّ صفحة السلاح غير الشرعي الذي أدخل لبنان حروباً داخلية وخارجية أرهقت شعبه ودمَّرت دولته وعمرانه واقتصاده.

​ويضيف أصحاب هذا الرأي أن السلاح غير الشرعي لم يعد يحظى بغطاء سياسي وشعبي وعسكري كما كان الوضع سابقاً، وبالتالي يصعب على "الحزب" تنفيذ وعيده بـ"حرب أهلية"، والأرجح أن الكلام على أخطار من هذا النوع هو تهويل، فالجيش اللبناني لن يكون في مواجهة مع مواطنين عندما يطبِّق قراراً سياسياً للدولة، بتأييد من غالبية المواطنين والأفرقاء الفاعلين، يقضي بطيّ صفحة السلاح غير الشرعي، والعودة إلى الوضع الطبيعي أسوةً بكل الدول.

​أما الأحاديث عن عصيان مدني وتحركات شعبية فيقلِّل من احتمال اللجوء إليها سياسيٌّ على اتصال بقيادة الحزب، مشيراً إلى أن الرئيس برِّي لا يؤيد هذا التوجه، وأبرز ذلك في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر.

​وترجِّح مصادر من "الائتلاف غير المعلن" والمؤيد لحصر السلاح أن يربح "منطق الدولة" في الكباش السياسي الحاصل. لكنهم يتوقفون بتشكُّك عند الكلام الصادر عن أوساط "حزب الله"، وفحواه أن رئيس الجمهورية وقائد الجيش لن يكونا في وضع الاستعداد لخصام شديد مع "الحزب" وبيئته، ويقولون إن الغاية منه زرع البلبلة وكسب الوقت من أجل توفير مهلة لإيران كي تتمكَّن من تحسين شروط تفاوضها مع الولايات المتحدة، وأيضاً مهلة للحزب كي يعيد استجماع قواه، من مال وسلاح ومعنويات، وبالتالي إعادة لبنان إلى وضع المستنقع والمراوحة، على أمل أن تتخلى الدول لاحقاً عن الاهتمام بالوضع اللبناني وتنصرف إلى انشغالات أخرى، على غرار ما حصل مراراً منذ اندلاع أزمة لبنان.

ويُبدي خصوم "حزب الله" السياسيون خشية كبيرة من تحقق هذا الاحتمال، لأنه يعني قطع الأمل في إمداد يد العون الاقتصادي والمالي من الخارج إلى لبنان، وتركه يتخبط في أزمته  الخانقة. ويسألون أيّ مُستثمر أجنبي أو عربي أو لبناني يمكن أن يستثمر بدولار واحد في البلد في مثل هذا الوضع؟

​وكان موفد الرئيس الأميركي توماس برّاك لوَّح بهذا الاحتمال عندما صرَّح في إحدى زياراته، بما مفاده أنه وسيط وصديق يحاول تسهيل الأمور والمساعدة، ولكن إذا لم يلقَ تجاوباً في الأساس لحلّ مشكلة سلاح "الحزب" فإنه ينسحب ولن تعود له علاقة بالأمر. وفي النهاية هذه البلاد بلاد اللبنانيين وهم المعنيون بها وبمستقبلها.

​ويقول متابعون من كثب إن من يتراجع يخسر في هذه المواجهة السياسية. لذلك يمكن اعتبار أن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، جوزف عون ونوّاف سلام، يواجهان مأزقاً صعباً. والوضع نفسه ينطبق على "حزب الله". والجدول الزمني للتنفيذ في جلسة الجمعة سيكون المؤشر الحاسم إلى شكل المرحلة المقبلة الذي ستتفقّده الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس السبت من بيروت، وبرفقتها قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر. ولن يلتقيا سياسيين بل قادة عسكريين، للاطلاع منهم على النتيجة وما سيفعلون.

اقرأ المزيد من كتابات ايلي الحاج