البابا يغادر لبنان والانذارات تعود اليه
بمغادرة البابا لاون الرابع عشر لبنان، تنتهي فترة الاستراحة التي انصرف فيها اللبنانيون الى متابعة نشاطاته وكلماته، متناسيين، لثلاثة ايام، الانذارات الاسرائيلية بالتصعيد قبل نهاية العام. لكن لم تكد طائرته تقلع حتى عادت المسيّرات الاسرائيلية تجوب سماء لبنان، فيما كانت اسرائيل واصلت استهدافاتها في الجنوب، خلال ايام الزيارة.
والواقع ان التعويل المبالغ فيه من جانب بعض السياسيين، حول مبادرة كان سيحملها البابا تتعلق بمعالجة الوضع الراهن والتخفيف من حدّة التهديدات الاسرائيلية، اثار تساؤلات حول الهدف من هذا الترويج، غير المبرّر. لا سيما ان الزيارة كانت محددة الاهداف مسبقًا. وما الرهان على موضوع السلام كعنوان اساسيّ للزيارة، في ان يكون مقدمة لمبادرة تتعلق بالازمة الحالية او بموضوع اعادة ترتيب الوضع في الشرق الاوسط واستتباب السلام، سوى استخفاف بدور البابا، كما بالعنوان الذي حمله. وهو حرص في ختام الزيارة على توجيه نداء يتعلق بالسلام، وبالشرق الاوسط، لكنه لم يحمل مبادرة بالمعنى العملي.
منذ اللحظة الاولى التي اكدّ الفاتيكان فيها نبأ الزيارة، والكلام الفاتيكاني يدور حول معنى الرسالة التي يحملها البابا الى مسيحيي لبنان وعبرهم الى مسيحيي المنطقة، وهو شدد في كلماته على بقاء الشباب في اوطانهم وعدم الهجرة، كما على دور الاكليروس في المساهمة في تثبيت هؤلاء في ارضهم. ولم تتعد رسالة الفاتيكان، خطواته المدروسة سابقًا من اجل العمل لاحلال السلام في لبنان والعالم. ورغم ان البابا، وعدا عن الاخطاء الكثيرة والفاضحة التي حصلت، كان مرتاحًا الى اللقاءات الشعبية التي رافقت الزيارة وبدا للذين التقوا به مسرورًا بما شهده ولا سيما في لقاء الشبيبة ولاحقًا في القداس الاحتفالي، ما قد يساعد اكثر على حمله قضية لبنان، الا ان ذلك لا يعني ان ثمة مبادرة مخصصة لحلّ الازمة الراهنة وقد زادت تعقيدًا في الاسابيع الاخيرة.
وهذا يعني ان الزيارة بما حملته من رسائل، لم تلغ واقع ان لبنان لم يخرج من عين العاصفة. لا بل ان الكلام الاسرائيلي والاميركي الذي ينذر باحتمالات التصعيد، لم يتوقف خلال الايام الاخيرة، وسيكون لبنان بعد انتهاء الزيارة البابوية، مضطرًّا الى ان يواجه الواقع والتحديّات المقبلة، بجديّة اكبر.
هذه الجدية ستدفع به الى درس سبل التعامل مع التهديدات الاسرائيلية، التي باتت تساوي بين حزب الله ولبنان، كسلطة وكجيش، وتساوي بين استهداف الحزب ولبنان. لان اسرائيل تكرر مرارًا، ان لبنان لم يقم بما عليه في شأن جنوب الليطاني، وفي ما يتعلق كذلك بحصر سلاح حزب الله في كل لبنان. ولم تنفع جولات الجيش اللبناني الاعلامية، ولا التبريرات التي اعطيت لاحقا لتفسير مواقف قائد الجيش رودولف هيكل، في تخفيف التشنج الاميركي- الاسرائيلي. لا سيما ان تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر بعد لقائه الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس، حول ضرورة نزع سلاح حزب الله، استبق زيارتها الى بيروت ومشاركتها في اجتماعات" لجنة الإشراف على وقف الأعمال الحربية"، ما يجعل منها رسالة مزدوجة، ستنقلها اورتاغوس خلال الاجتماعات في الناقورة.
وبالنسبة الى الاميركيين فان الكرة اصبحت في الملعب اللبناني، لان واشنطن قامت بما عليها، في شأن نقل الرسائل الاسرائيليّة وحثّ لبنان على الاخذ بنصائحها، وهي لن تمارس ضغطًا على اسرائيل اذا كان لبنان مصرّا على تجاهل نصائحها، ويتعامل مع هذه النصائح على أنه قادر على التحايل عليها وكسب المزيد من الوقت.