تصعيد بليدا: هل يُعلّق لبنان مشاركته في «الميكانيزم»؟

تصعيد بليدا: هل يُعلّق لبنان مشاركته في «الميكانيزم»؟

اقتحمت القوة الإسرائيلية بلدية بليدا واغتالت الموظف فيها

أحد عشر شهرًا على اتفاق «وقف» الأعمال العدائية، والعدوان الإسرائيلي على لبنان مُستمر… ويتوسّع. بإمكان «لجنة الإشراف على وقف الأعمال الحربية - الميكانيزم»، أن تعقد عشرات الاجتماعات. بإمكان رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء أن يصدرا البيان الاستنكاري تلو الآخر. بإمكان قادة الدول العربية والغربية أن يُطالبوا «باحترام الاتفاق». بإمكان الأمم المتحدة أن تُندّد بالاعتداءات الاسرائيلية على لبنان. بإمكان حزب الله أن يستمر في الالتزام بالقرار الرسمي وعدم الردّ على القصف والاغتيالات التي تُنفّذها إسرائيل. جميعهم يعلمون أنّ الحصار لن يُرفع قبل الإقرار بالهزيمة. والهزيمة التي تُريد الولايات المتحدة وإسرائيل للبنان الاعتراف بها، هي مفاوضات مباشرة مع العدو قبل الانسحاب الإسرائيلي من النقاط التي يحتلها، تكون نتيجتها ضمان أمن الحدود التي تُسيطر عليها إسرائيل، وإفراغ البلدات الجنوبية الحدودية من سكّانها ومنع أي نشاط بشري فيها. 

في هذا السياق، يأتي دخول قوة إسرائيلية إلى بلدة بليدا أمس، حيث اقتحمت مركز بلديتها، واغتالت الموظّف فيها إبراهيم سلامة وهو نائم. الخبر ليس بليدا بحدّ ذاتها. بل ما جسّدته بلديتها في الأيام الماضية: مركز مساعدة لدعم عودة السكّان إلى منازلهم وإعادة إطلاق أشغالهم. 

يُراد من بليدا أن تكون نموذجًا لمحاصرة الجنوبيين، والدولة اللبنانية. الرسالة الأولى مفادها ممنوعٌ عليكم العودة. والرسالة الثانية يسمعها أركان الدولة بشكل متكرّر، «لا تقومون بما يجب لتفكيك بنية حزب الله». ما جرى أمس يُعدّ تصعيدًا جديدًا من الجانب الإسرائيلي. لم يكن توغلًّا محدودًا لأمتارٍ عدّة، ولا تفخيخ لمركز والخروج منه، بل اغتيال موظّف رسمي واحتلال مقرّ رسمي تابع لوزارة الداخلية والبلديات، لا يُستخدم لعمليات عسكرية، بغضّ النظر عن الادعاءات الاسرائيلية لمحاولة تبرير ما قاموا به.

خطورة ما جرى دفعت المسؤولين اللبنانيين إلى رفع مستوى «تنديداتهم»، والغمز من قناة «الميكانيزم». رئيس الجمهورية، العماد جوزف عون طلب خلال استقباله قائد الجيش، العماد رودولف هيكل من الجيش «التصدي لأي توغّل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحرّرة». وقال إنّه لا يُفترض بلجنة «الميكانيزم» الاكتفاء «بتسجيل الوقائع، بل العمل لوضع حدّ لها من خلال الضغط على إسرائيل ودفعها إلى التزام مندرجات اتفاق تشرين الثاني الماضي ووقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية». يتوافق ذلك مع معلومات عن اقتناع عون بضرورة تعليق عمل لبنان بلجنة «الميكانيزم» إلى حين إيجاد حلّ للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة. الامتعاض اللبناني من عمل اللجنة، عبّر عنه أيضًا أمس بيان الجيش اللبناني الذي طلب «من لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية وضع حد لانتهاكات العدو الإسرائيلي المتمادية». أما رئيس الحكومة، نواف سلام فيبدو أكثر تمسّكًا بدبلوماسية الهاتف، إذ أعلن متابعة «الضغط مع الأمم المتحدة والدول الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية لضمان وقف الانتهاكات المتكرّرة وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضينا». 

التعليمات التي وجّهها رئيس الجمهورية لقائد الجيش بالتصدّي لأي توغّل برّي عُدّ موقفًا مُتقدّمًا من قبله يبرّره الاعتداء والخرق الاسرائيلي للاتفاق 1701. وخاصة أنّه يأتي بعد يوم واحد من اجتماع لجنة «الميكانيزم»، واللقاءات الأميركية في لبنان، وإصدار السفارة الأميركية في بيروت بيانًا يتضمّن إشادة الجنرال الأميركي، جوزف كليرفيلد «بحرفية الجيش اللبناني وانضباطه» من دون أن يذكر البيان إسرائيل مرّة واحدة أو يشجب بأعمالها العدائية. بيانٌ تعمّد الإيحاء بأنّ الجيش اللبناني يعمل كحارس للمصالح الإسرائيلية - الأميركية في لبنان. علمًا أنّ الموقف الأميركي الحقيقي هو استياء من قيادة الجيش، لعدم اعتبارها تقوم بما يجب في مواجهة حزب الله. ولذلك، تؤكّد المعلومات أنّه تم حتى الساعة تعليق عقد مؤتمر دعم الجيش وتأمين المساعدات له. 

من جهته، اعتبر حزب الله أنّه «يستوجب من الدولة اللبنانية ومن كل القوى ‏السياسية اتخاذ موقف وطني موحد ومسؤول وصلب لتقوية موقف لبنان إزاء هذه الاعتداءات المتواصلة»، مُثمّناً موقف رئيس الجمهورية بالطلب من الجيش اللبناني مواجهة ‏التوغلات الإسرائيلية. وقد تلاقى بذلك مع رئيس مجلس النواب، نبيه برّي الذي اعتبر أنّ «اللحظة الراهنة تستدعي من اللبنانيين استحضار الوحدة». يُدرك حزب الله أنّه لا يُمكن تحميل عون والجيش أكثر من قدرتهما. ويتفّهم أن أي ردّ دفاعي من الجيش قد يؤدّي إلى وقف المساعدات الغربية نهائيًا له وإضعافه. ولكنّه في الوقت نفسه، لا يُعفي رئاستَي الجمهورية والحكومة من اتّخاذ موقف سياسي ودبلوماسي عالي النبرة، لوضع حدّ لتوسيع الاعتداءات. فهو مُصرّ على رفض أي مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، قبل الانسحاب الإسرائيلي من النقاط التي يتمركز بها، والوقف النهائي لإطلاق النار. وهو الموقف الذي ما زال يتمسّك به رئيس الجمهورية.

قبل يوم من التوغّل الإسرائيلي، كانت بلدية بليدا تستقبل مساعدات اجتماعية، تمهيدًا لتوزيعها على السكّان. هو جزء من عملها في تأمين المياه والكهرباء للناس تسهيلًا لعودتهم. ولكنّ إسرائيل تُريد من بليدا وكلّ القرى الحدودية مُشابهة لبلدة كفركلا، فارغة تمامًا من أهلها. بليدا إشارة واضحة إلى ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة: عدوان مفتوح… واتفاقٌ معلّق على حافة الانفجار.


اقتحمت القوة الإسرائيلية بلدية بليدا واغتالت الموظف فيها

اقرأ المزيد من كتابات كافيين دوت برس