خريطة طريق البابا في الفاتيكان: خطوات ثابتة من دون استعجال

البابا ليون الرابع عشر – عن موقع الفاتيكان
الفاتيكان – خاص
تختصر مصادر كنسية لبنانية في الفاتيكان الأشهر الخمسة الأولى من ولاية البابا ليون الرابع عشر بأنها "خطوات ثابتة، ولكنْ هادئة ومن دون استعجال".
التوصيف المدروس بعناية، يقارب حبرية البابا من زاوية إيجابية، ولو أن خريطة الطريق التي يريد البابا أن يرسمها لا تزال في خطواتها الأولى. فالبداية بالنسبة إليه تبدأ من لحظة قراءة البابا ورقة مكتوبة عند إطلالته الأولى على المحتشدين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان بعد انتخابه. فالورقة المكتوبة تعبير عن أسلوب عمل الآتي إلى الكرسي الرسولي بخلفيات عدة: الاختصاصي في الرياضيات الذي يحتسب علميًا من دون ارتجال أن "واحدًا زائد واحد يساوي اثنين"، والراهب الأوغسطيني، والأميركي المنشأ، والعامل مع المهمشين والفقراء في أحياء الصفيح في البيرو. كل ذلك يُضاف إليه أن سرعة انتخابه تعني أن المؤثرين في السينودوس اختاروا بدقة "بروفايل" البابا، وليس أنهم استعجلوا في اختياره، وهو المعروف لديهم أكثر منذ ان عيّنه البابا الراحل فرنسيس في دائرة الأساقفة وكاردينالًا عام 2023.
إذًا، بعد نحو خمسة أشهر على تسلُّمه السدة البابوية، لا تزال خريطة طريق البابا غير محددة بالكامل، إلا أنها تعكس أسلوب عمله في التريث قبل أن يشق طريقه نحو رسم صورة واضحة تمامًا عما يريده للكنيسة. الآتي بعد بابوين اتسما بتناقض في الأسلوب والرؤية، بين البابا بنديكتوس السادس عشر والبابا فرنسيس، تصبح مهمة ليون الرابع عشر مفصلية، لأنها ستؤرخ لمرحلة جديدة، تعكس لسنوات مقبلة النظرة إلى الكنيسة من كل جوانبها.
اللحظة الأولى لانتخاب الكاردينال روبرت بريفوست كانت في ذاتها مؤشرًا، فبالرغم من أنه كان بين المرشحين العشرة الأوائل، فقد عكس اختياره الانحياز إلى الشخصية الأكثر هدوءًا والابتعاد عن الأضواء المباشرة.
بهذا المعنى، كان الكاردينال الأميركي الهوية والبيروفي الخدمة الكنسية والجنسية المكتسبة، مزيجًا من الصفات التي كانت مطلوبة لإدخال الكنيسة في مرحلة تهدئة بين تيارين محافظ وحديث، شغلا مؤسساتها ودوائرها في الفترات الأخيرة من حبرية فرنسيس.
قد يكون البابا ليون متماهيًا أكثر مع الكلام الإنجيلي "لم آتِ لأنقض بل لأكمِل"، لكن التتمة لا تنحصر في ولاية فرنسيس، فكما عبّر كرادلة بعد اختياره، بأنهم لم ينتخبوا خليفة فرنسيس بل خليفة بطرس. ما يعني أن استكمال المسيرة، تتعلق بكل من سبقه إلى كرسي روما ولا سيما في التاريخ الحديث، نظرًا إلى تأثيرات البابوات الثلاثة: يوحنا بولس الثاني، وبنديكتوس، وفرنسيس، على الكاثوليك في العالم، وعلى القضايا الخلافية داخل الكنيسة.
في الأسابيع الأولى، توجهت الأنظار إلى اللباس البابوي التقليدي الذي استعاده ليون في جزء كبير منه، ما اعتبره بعض المحافظين أنه رسالة أولى على استعادة التقاليد البابوية، وهذا اللباس ليس مظهرًا شكليًا لكل من يعرف التفاصيل الكهنوتية. وبحسب المصادر الكنسية اللبنانية في الفاتيكان، لا شيء اسمه "مظاهر شكلية"، فكل ما يظهر إنما يكون له معنى محدد. كما حصل مع عودة البابا إلى المقر الصيفي للبابوات الذي كان تحول مقرًا دائمًا لأول بابا مستقيل أي الكاردينال بيوس التاسع، والذي تخلى عنه البابا فرنسيس كمقر صيفي. وفي الحالتين الأمر نفسه.
البابا الخجول الهادئ مضطر بحكم حبريته إلى تغيير أسلوبه في الإطلالات، لكن الإطلالة التي يمزج فيها العفوية بالكلام المعبر تمامًا عن توجهه المقبل، لن تكون ارتجالية بالمعنى الذي خبره الإعلاميون أو الحشود مع البابا فرنسيس. البابا الراحل الآتي من عالم الكيمياء والذي خبر أيضًا تحديات مواجهة الدكتاتوريات والتيار المحافظ في الكنيسة، لم يكن يكف عن اتخاذ خطوات اختبارية، ولم يكن يتوانى عن اتخاذ أو الكلام عن مواضيع بنت ساعتها ولا يخاف من طرحها، لكن أسوار الفاتيكان تعيد إلى الواقع برمجة هذه الأقوال أو المواقف في اتجاه أكثر انضباطًا. البابا الحالي تختلف طريقته، فهو يريد البدء بخطوات حاسمة، وتجربته بدأت مع عقد عدد من "السينودوس" الخاص ببعض الكنائس بعيدًا عن الإعلام. وهو وإن بدأ بعض التغييرات الداخلية بحزم، إلا أنه حريص على عدم إحداث انقلابات فاقعة وارتجالية.
ثمة مسائل حيوية تنتظر البابا في رؤيته الكنسية: مشاركة النساء (وقد ثبَّت البابا إحدى الراهبات في موقع حساس) والمثليين بعد إعلان الفاتيكان حول مباركتهم، والذي لم يلق ترحيبًا في بعض الأوساط الكنسية المتشددة، ومنهم كرادلة إفريقيا. إضافة إلى ما يعني بعض الدول الأوروبية لجهة استمرار التيار "الترنديين" في إحياء الرتب الكنسية التي سبقت المجمع الفاتيكاني الثاني. وإزاء كل ذلك، لا يمكن القفز فوق حقيقة أن البابا درس القانون الكنسي أي أنه متبصر في المجال الذي يتصل بإحداث أي تغييرات على مستوى موقف الكنيسة من القضايا التي لا تزال موضع بحث.
ولأن الكنيسة هي جسم كبير وآلة عمل ونقاشات دائمة، فإن البابا يفرض إيقاعه عليها تدريجيًا، وهو بدا من خلال استقبالاته أو مواقفه إزاء القضايا الحساسة في العالم، والتي ترتبط بإعلاء شأن الإنسان في الأزمات والحروب الدائرة حاليًا، حريصًا على أن يفرض أسلوبه في التعبير عن مواقف الكنيسة.
زيارة البابا للبنان
حتى الآن، لم يصدر تأكيد رسمي من الفاتيكان عن زيارة البابا للبنان، والتي يرتبط موعدها بتحديد موعد زيارته لتركيا. البابا الذي لم يقم بعد بأي جولة خارجية، يفترض أن يزور تركيا بمناسبة الاحتفال بذكرى 1700 سنة على مجمع نيقيا. وهو كان يرغب في زيارة سوريا لكن الظروف الحالية فيها لا تسمح له بذلك، وزيارة لبنان اذا اقرها الفاتيكان والبابا سبق ان قبل دعوة لزيارته، عدا عن تأكيد أهمية الكنيسة المارونية في الكنائس الشرقية، تعطي رسالة بابوية إلى مسيحيي الشرق، من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين، حيث الأخطار تتهدد وجودهم، ليدعوهم إلى التشبث بأرضهم وإيمانهم.