طلاب بعلبك الهرمل : الجامعة حُلم يصطدم بالواقع

طلاب بعلبك الهرمل : الجامعة  حُلم يصطدم بالواقع

في بعلبك الهرمل لا يقتصر الفقر على الدخل وفرص العمل بل يمتد لِيَطال الحق الأساسي في التعليم العالي. آلاف الطلاب يُنهونَ دراستهم الثانوية سنويًا لِيَصطَدِموا بواقع قاسٍ : لا فروع للجامعة اللبنانية في بعلبك ووسائل نقل شبه معدومة بين القرى وأقرب فروعها. رغم المساحة الجغرافية الواسعة تفتقر المنطقة الى صرح جامعي رسمي يضم الكليات المختلفة وهو ما يُجبِر الطلاب على التوجه إلى المناطق البعيدة مثل زحلة وبيروت. وهناك تبدأ الأعباء المادية المتمثلة بالنقل أولًا والسكن ثانيًا.

" أحلم بدراسة الطب ، لكن كلفة الانتقال اليومي تفوق قدرتي" يقول الطالب الثانوي حسن زيدان من بلدة العين.

أحد المسؤولين في المنطقة التربوية يقول في اتصال مع "كافيين دوت برس" أن القوى السياسية في المنطقة لم تلتفت يومًا إلى هذا المطلب بصفته ملفًا أساسيًّا يستحق المتابعة والجهد. بل إعتمدته كشعار للإستهلاك الإنتخابي، لا بل إستفادت من غياب الجامعة والتعليم العالي لإبقاء الناس هناك ضمن السيطرة الحزبية الصافية لقوى الأمر الواقع. إذ ربما عندما تحضر الجامعة بما تمثل من وعي وثقافة وتحضر الدولة يصبح منطق الدويلة والأيدولوجيا في موقع المتراجع يتابع المصدر التربوي الذي رفض الكشف عن إسمه.

بيرلا بيطار
الطالبة بيرلا البيطار  من القاع، تذهب إلى كلية  علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية في زحلة تقول بأنها "تعاني من قلّة وسائل النقل المنظمة، ولولا ان البلدية قد عملت على تأمين باص بسعر رمزي لها ولرفيقاتها من الطلاب لربما فضلت ألّا تنتقل الى الجامعة على تكبد عناء ومشقة انتظار وسائل النقل الخاصة ".
جوي سعد.jpg 350.76 KB
زميلتها في نفس الكلية الطالبة جوي سعد توافقها الرأي وتزيد بأن الطرقات طويلة وخطرة وخاصة في فصل الشتاء، والطريق الى زحلة مرهق اذا انه يتجاوز أحيانا" الاربع ساعات يوميًّا وهو ما دفع رفيقات لهن الى الغياب المتكرر او ترك الجامعة نهائيًا.

في منطقة تعاني أصلا" من نسب البطالة والفقر يصبح التعليم عبئًا على الأهل، ويصبح للكثير من الطلاب حلمًا مؤجلًا أو مستحيلًا.

آية الهق.jpg 88.17 KB
آية الهِقّ طالبة من الهرمل تضطر للإستيقاظ منذ الخامسة فجرا" لتصل الى جامعتها وأحيانا" تعود من دون حضور بعض المحاضرات كي تتتمكن من الالتحاق بوسيلة النقل قبل المساء الذي لا يرحم على طرقات بعلبك المعتِمَة .

فيما يقول - عبد الحجيري - من عرسال أن إيجار السكن قرب الجامعة يفوق قدرة والده على توفيرها. ويخبر عن قريبه الذي كان يحلم بالتخصص بالهندسة الا ان الواقع المادي منعه رغم اعترافه بالأسعار المقبولة وشبه المجانية للجامعة اللبنانية الا ان البعد الجغرافي مضافًا اليه الواقع الاقتصادي المهترئ منعاه من تحقيق هذا الحلم فإتجه لمساعدة والده في مقلع الحجار الذي يعمل به.

جاورجيوس عوض.jpg 170.49 KB
في المقابل، جاورجيوس عوض الذي نزل من القاع للسكن في الدكوانة واكمال تعليمه في جامعة خاصة حيث توجه الى اختصاص الـ computer science يقول بأنه إضطر للإبتعاد عن عائلته والعمل في بيروت لتغطية مصاريف السكن والمعيشة لأنه يريد تحقيق حلمه في هذا الإختصاص .

وبالسؤال عن كلفة السكن يختلف السعر ما بين المساكن المخصصة للطلاب والتي يتراوح سعر السرير المخصص للشخص الواحد بها مع مطبخ مشترك في اغلب الاحيان ما بين الـ ١٥٠ والـ ٢٥٠ دولارًا يضاف اليها مصروف الانترنت والدش ، وما بين أيجار منزل من غرفتين ومطبخ وحمام بما لا يقل عن ٣٥٠ دولارًا  عدا عن مصروف الكهرباء والدش والانترنت واشتراك المياه بما يزيد المبلغ لأكثر من ٥٠٠ دولار وهو ما يشكل عبئًا على كاهل الطلاب وأهاليهم في ظل تدني الرواتب والازمة الاقتصادية.

 في حين تحوّلت هذه الغرف الى فائدة اقتصادية لاصحاب المنازل، ومنهم احد ابناء منطقة بعلبك الذي غيّر ديكور منزله في بيروت وحولّه الى غرف صغيرة لتأجيرها لست طلاب، ما يعود عليه بالفائدة نظرًا الى اسعار الايجارات.

الدكتور طوني وهبة.jpg 130.52 KB
هذا الواقع يؤدي بحسب الدكتور -  طوني وهبة -  إلى إرتفاع نسبة التسرّب الجامعي وحرمان المنطقة من كفاءات علمية مستقبلية وتكريس اللامساواة التعليمية بين المناطق وهو مع فتح فرع للجامعة في بعلبك نظرًا الى أنها موجودة في محافظات أخرى، وفي سبيل توفير فرص التعليم للناس بخاصة انهم مزارعين وفقراء، والتعليم ضرورة لأبناءهم. إلا أنه بالأساس ضد تفريع الجامعة وهو مع مركزية التعليم العالي لأنه يؤمن مستوى تعليمي أكبر. والدولة في لبنان كانت تنظر الى هذا الأمر قبل الحرب الأهلية من منطلق علمي وتقني يقوم على استحداث كليات متخصصة في المناطق مع بيوت جامعية، توفر على الطلاب عناء السكن والتنقل، الى ان أتت الحرب مع تقسيماتها السياسية والطائفية والتي إنعكست في فروعها التعليمية .

 ويطرح الدكتور وهبة تفعيل النقل الجامعي الرسمي وتحسين البنية التحتية للطرقات ودعم الطلاب بمنح ومساعدات نقل.

نتاليا نصر الدين
تحلم الطالبة - نتاليا نصر الدين - بأن لا يبقى طلاب بعلبك الهرمل طلاب درجة ثانية في حقهم بالتعليم وهي تفكر منذ اليوم في أولادها وتقول بأن التنمية الحقيقية لا تبدأ إلا من التعليم والجامعة يجب أن تصل الى حيث يوجد الطلاب لا العكس .


اقرأ المزيد من كتابات بشير ي. مطر