ثلاثية الخزانة الأميركية: القرض الحسن والفجوة المالية والمحافظ الالكترونية
عون مع الوفد الاميركي
هل سيؤدّي إقفال جمعية القرض الحسن إلى وقف تمويل حزب الله؟ هل يعتمد الأخير أصلًا على الجمعية كمصدر أساسي للتمويل؟ هل مكافحة الاقتصاد النقدي، أي القائم على استخدام الكاش، كفيلة بإجبار اللبنانيين على العودة إلى المصارف؟ أم أنّ ضبط الاقتصاد النقدي لا يتحقّق إلّا بعد إصلاح القطاع المصرفي أولًا، وإعادة بناء الثقة ثانيًا، لتصبح مراقبة التحويلات ممكنة؟ هل حزب الله هو من يمنع إقرار قانون الفجوة المالية ومعالجة الخسائر في ميزانية مصرف لبنان وردّ الودائع المنهوبة؟.
جميع المسؤولين والمعنيين يعرفون الأجوبة على هذه الأسئلة، ويُدركون أنّها جميعها أقنعة لإخفاء الأمر الوحيد المطلوب من البلد، ولكنّهم في الوقت نفسه ينساقون خلف التهديدات والأوامر الأميركية والإسرائيلية للبنان. أحمد الشرع في سوريا لم يتّخذ أي قرار «إصلاحي» في دمشق يستدعي «الصفح» عنه وعن البلد، وفق المعايير التي يفرضها الغرب على البلدان الأخرى. ولكنّه وافق على أن يقود سوريا نحو عملية سلام مع اسرائيل، ففُتحت له أبواب البيت الأبيض في واشنطن وأُسقطت عنه العقوبات، بعدما كانت قد خُصّصت مكافأة بالملايين لمن يعرف عنه شيئًا. الأمر نفسه مطلوبٌ من لبنان: تفاوض مباشر وسلام غير مشروط، من دون بناء جيش دفاعي قوي، ومن دون السماح لأهالي قرى الشريط الحدودي بالعودة إليها، ومن دون الانسحاب من النقاط المحتلة، وبتفكيك كلّ بنية حزب الله. الأمر «الإيجابي» الوحيد في هذه المرحلة أنّ الولايات المتحدة لم تعد تحتاج إلى المناورة بملفات «مكافحة الفساد»، و«الحوكمة»، و«السيادة»، وغيرها. كل الأوراق موضوعة فوق الطاولة: إما الخضوع وإما السحق. وهذا كان لُبّ زيارة وفد الخزانة الأميركية إلى بيروت، برئاسة المدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي، الدكتور سيباستيان غوركا.
ثلاثة شروط أساسية فرضها الوفد:
أولًا، إقفال مؤسسة القرض الحسن.
ثانيًا، ضبط الاقتصاد النقدي ووقف العمل بكلّ المحافظ الالكترونية التي يستخدمها السكان حاليًا لتبادل الأموال بين بعضهم البعض أو إجراء عمليات الشراء والبيع.
ثالثًا، إقرار قانون الفجوة المالية.
أكثر من 8 جمعيات في لبنان - لها طابع وهوية طائفية - تُقدّم قروضًا مدعومة، وأكثر من حزب لديه مؤسسات اجتماعية تُقدّم خدمات لقاء بدلات مالية، كالتغطية الصحية، لا يطرح الوفد الأميركي إقفالها وحصر تقديم هذه الخدمات بالمصارف والمؤسسات العامة أو تلك التي تخضع للرقابة. الهدف هو إقفال القرض الحسن بصفتها المؤسسة المالية التابعة لحزب الله، وتُقدّم قروضًا من دون فوائد وتسمح بادخار المال من دون فائدة. فتعتبر الولايات المتحدة أنّ إقفالها سيُجبر جمهور حزب الله على الابتعاد عنه واعتماد خيار سياسي مغاير، وسيسمح بمحاصرة المتمولين الذين يُساعدون في التمويل. قرار الإقفال يُمكن أن يصدر عن وزارة الداخلية والبلديات إن وجدت أنّ القرض الحسن تُمارس أعمالًا مخالفة. ولكن لأنّ قرار الإقفال سياسي ولا علاقة له بطبيعة عمل القرض الحسن، «فلا يمكن إقفالها إلا بقرار من مجلس الوزراء، وهو موضوع يتم النقاش به حاليًا»، تقول مصادر وزارية. من جهة حزب الله، من المعلوم أنّ قرارًا من هذا النوع يُساوي بالنسبة له قرار تفكيك شبكة الاتصالات الداخلية بتاريخ 5 أيار عام 2008.
أما في ما خصّ وقف العمل بالمحافظ الالكترونية، فيتوافق كلام الخزانة الأميركية عن إقفالها مع معلومات «كافيين دوت برس» أنّ حاكم البنك المركزي، كريم سعيد «غير مقتنع بعمل هذه المحافظ، ويطمح أن يوقف العمل بها جميعها. المشكلة كما يقول هي أنّ المحافظ تُشكّل بديلًا للناس الذين لا يملكون حسابات وبطاقات مصرفية، لذلك لا يُمكن وقف العمل بها قبل تأمين بديلٍ، وهو إعادة إطلاق العمل المصرفي الطبيعي». في هذه المرحلة، «لن يُصدر ترخيصا جديدًا لأي محفظة الكترونية».
يبقى موضوع قانون الفجوة المالية الذي تُريد الخزانة الأميركية إقراره في أسرع ما يُمكن. شركة «كاي بي أم جي - KPMG» (وهي واحدة من أربع أكبر شركات محاسبة في العالم) تتولّى التدقيق الشكلي في موضوع دين الـ16.5 مليار دولار، والأرجح أن تتحمّل مسؤوليته الدولة إما عبر تسديد جزء من المبلغ أو إعادة رسملة مصرف لبنان. إلا أنّ أحد أهم نقاط الخلاف هي اتفاقية التعاون مع صندوق النقد الدولي وما يطلبه الأخير. لم تعد القصة محصورة برفض سعيد والمصارف اتفاقية تعاون تتضمّن تحميل القطاع المصرفي جزءًا أساسيًا من مسؤولية الانهيار، مقابل اندفاعة الفريق الوزاري لتوقيع الاتفاقية بأسرع ما يُمكن مع تنفيذ كامل الشروط المطلوبة. فيما يتردّد أيضًا عن اختلاف في وجهات النظر بين صندوق النقد ووزارة الخزانة نفسها. فهل تتفق الأخيرة مع الصندوق وتضمن ألّا يعترض على المسودة اللبنانية، قبل أن تضغط على لبنان للإسراع في إقرار القانون؟