نبع رشعين سرّ الخير والازدهار.. والعبرة في حمايته
"من جَوْزتَيْن وبستان فواكه وخضار، ومن قهوة زغيرة بتجمع القرايب والمعارف ليكيّفوا مع كاس عرق ودبيحة على ضفاف النهر… بلشت الحكاية". هكذا بدأ سايد فنيانوس صاحب أقدم المطاعم في رشعين الذي ورث من ضيعته المياه ومن جدّه الأرض، ولاقى من الناس المحبة والرضا والقبول.
القصّة تبدأ من رشعين ومن نبعها الذي رسم خطّ ازدهارها. غزارة المياه ونقاوة الهواء والطبيعة الخلابة جعلوا من رشعين مقصدًا للناس، ومع اللّقمة الزغرتاوية الطيبة نمت المطاعم وانتشرت حتى تحوّلت المنطقة إلى وجهة يقصدها الزوار من كلّ مكان.
لنبع رشعين اهمية اقتصاديًة واجتماعيًة، وهو ساهم في اغناء المنطقة، الا ان اي كلام عنه لا يعفي اهميّة التحديّات البيئية الناتجة عن الجفاف وقلّة المتساقطات.
تقول المسؤولة عن طاحون رشعين، سعاد النشمي، "أرضنا مقدّسة ومباركة، والله خلق رشعين ونَعِم عليها بالنبع. المياه كانت دائمًا حياة لأهل المنطقة ورزقًا لها".

وتشير إلى أنّ طاحون رشعين كان ولايزال يعتمد على المياه بالدّرجة الأولى، ولولا المياه لا وجود للطاحون. وتلفت إلى أنّ الطاحون مرّ بظروف صعبة أيام المجاعة حيث كانت ملجأً للناس، وكانت معروفًة بـ"مزراب الذهب" الذي لم يتوقف حتى في مواسم الجفاف.
وتختم "رشعين جميلة بنبعها وجغرافيتها، وحتى لو تغيّرت معالمها تبقى عشقًا لا ينتهي".
صاحب مطعم جسر رشعين، سايد فنيانوس، يقول: "إنّ المياه هي الشريان الأساسي للمنطقة، ونبع رشعين من أغزر الينابيع على سطح البحر، يغذّي رشعين وصولًا إلى طرابلس". كما يشير إلى ينابيع "الزريقة" و"العيون الصغيرة" التي تبقى جارية طوال السنة، ويصف المياه بأنها "بترول رشعين" وثروتها التي لا تُقدّر بثمن.


ويختم "مياه رشعين هي حياتنا وثروتنا، ونقوم بكل جهودنا لنحافظ عليها".
بدوره يشرح مدير مطعم بيت الشيخة في المرداشية، بيارو الدويهي، أنّ المياه كانت ولا تزال عامل الجذب الأبرز، خصوصًا في فصل الصيف لسكان المدن الباحثين عن متنفس طبيعي. ويؤكّد أنّ وجود المطاعم الزغرتاوية على ضفاف النهر ساهم بنقل المطبخ الزغرتاوي ونكهته المعروفة إلى الزوار من كل المناطق.

ويختم متمنيًا أن "تعمل الجهات المعنية على إيجاد حلول تعيد للمياه عذوبتها لأنها قلب المنطقة وروحها".
ساهم نبع رشعين في تعزيز المنطقة اقتصاديًّا وخلق في الوقت نفسه تحديّات بيئية. ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني إلى أن "المياه أعطت رشعين ميزة طبيعية خلقت حركة سياحية كبيرة. ومع كثرة المطاعم ازداد الاستثمار وتنوّعت الخدمات وأصبح هناك جذب أكبر للعائلات والزوار الباحثين عن الهدوء على ضفاف النهر.

ويختم "المياه ثروة حقيقية يجب المحافظة عليها ومعرفة كيف نستفيد منها".
أما مديرة محمية حرش إهدن الطبيعية، المهندسة ساندرا كوسا سابا، فتقول إن نبع رشعين شكّل عنصرًا أساسيًا في جذب الزوار وتنشيط الحركة السياحية بفضل جريانه ومناظره الطبيعية. لكن هذا الازدهار قد ينتج عنه تحديات بيئية عند الاستخدام العشوائي للمياه، خصوصًا خلال فترات الشحّ مع التغير المناخي الذي هو سبب في ندرة المياه الناتجة عن قلة المتساقطات.

وتختم "المياه ثروة حقيقية، والحروب المقبلة في العالم ستكون حروب مياه".
منطقة زغرتا، المعروفة بكرم أهلها ونكهتها الزغرتاوية الأصيلة، تستحق نبعًا يغذي ترابها ويغني طبيعتها التي تشبه أهلها صفاءً وطيبة. فالنبع هو نبض أرض عاشت عليه أجيال، لكن العبرة تبقى في الحفاظ عليه لأنه ثروة حقيقية، وإن ضاعت فانّها لا تُعوّض، لأنّ الأرض التي تفقد ماءها تفقد روحها قبل أي شيء.
