مسيحيّو بعلبك بين الارض والهوية فرحة: نعمل لانشاء مدارس ومستوصفات
الوجود المسيحي في "المنطقة هنا" ليس إبن اليوم ولا إبن البارحة، بل يعود للقرون الأولى وهم الأساس والجذور وخصوصًا في هذه المنطقة لأنهم كانوا يأتون من جهة حوران - حمص إلى منطقة بعلبك ولذلك بين البقاع الغربي والبقاع الشرقي وُجد المسيحيون وصولا" الى جبل حرمون والأراضي المقدسة. هذا الإستعراض التاريخي يبدأ به المطران الجديد في بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران مخاييل فرحة مقابلته مع " كافيين دوت برس".
في دار المطرانية في بعلبك يستقبلنا المطران فرحة بوجه بشوش وتواضع يطبع الشخص الذي أتى بعد فراغ دام خمس سنوات، أعاد للمطرانية التي تجاور قلعة بعلبك التاريخية بعضًا من الروح التي إفتقدتها نتيجة الإهمال. حركة إستقبالات سياسية وشعبية لا تهدأ، تجديد للأثاث في الدار والبناء على الأساس الذي من أجله وُجد المسيحيون في هذه البقعة. حيّ المسيحيين في بعلبك لم يبقَ فيه من يخبر عن هويته، إلا تمثال للعذراء يتوسط الطريق الذي يوصلك إلى المطرانية والمدرسة التابعة لها .
يتابع المطران فرحة " مع الوقت إن لأسباب سياسية أو إقتصادية او حتى جغرافية بسبب الزلازل التي غطّت بلدان وقرى بأكملها خَفُتَ هذا الوجود ومن بقي من الشعب بقي صامدا" بسبب إيمانه القوي والثابت. غنى المنطقة بالمياه والزراعة التي كانت مهنة الاكثرية في ذلك الوقت ساعدت على الصمود ".
حضور الكنيسة وفتح المدارس من قبل الرهبانيات ساعد في ما بعد على تثبيت المسيحيين في أرضهم، والمؤسسات الكنيسة تركز دائما" على ثلاثة أشياء، بالدرجة الأولى المدارس والثانية المستوصفات الصحية والدرجة الثالثة وجود الكنيسة في حدّ ذاتها عبر التعليم الديني والكنسي .
بيع الاراضي
وردا على سؤال عن موضوع بيع المسيحيين لأرضهم مما يشكل أكبر تهديد لوجودهم ، اجاب : أنا مطلّع على هذا الملف، المسيحيون خسروا ٥٠ بالمائة من مساحة لبنان وليس في هذه المنطقة فقط، كانوا يملكون نحو ٨٦ بالمائة من مساحة لبنان أما الآن فتقارب النسبة الـ ٣٦ بالمائة . أراضي الأوقاف في بعلبك تم المحافظة عليها قدر الإمكان والبيع تم بإستثناءات قليلة ولحاجات تتقدمها معيشة الرهبان والكهنة. الأزمات التي مرّت على المنطقة منذ العام ١٩٧٥ وما بعد دفعت المطرانية أن تبيع الكثير لتأمين معيشة الكهنة".
اما بيع الناس أراضيهم لأجل الرفاهية فيرى فيه المطران فرحة مجافاة للحقيقة اذ لم يلاحظ ان الناس " يبيعون لأجل هذا الهدف بل لأجل التعليم والإضطرار للإنتقال الى بيروت، وذلك بسبب غياب التعليم الجامعي عن المنطقة وهو موضوع أثاره المطران مع وزيرة التربية خلال زيارتها لبعلبك وقد وعدت خيرا" بإنشاء فرع جامعي في المنطقة. ويضيف " الحاجة إن كانت تعليمية او صحيّة، هي الدافع الأساسي للبيع".
من جهة اخرى يشير الى " ان الإستقرار والأمان هما أساس الإستمرار". وعملية بيع وشراء الأراضي في شكل كبير يثير لدى المطران بعض الحذر، "فهناك مساحات كبيرة وأسعار خيالية دفعت لشراء الأراضي في قرى مسيحية السنوات الأخيرة، وسماسرة كانوا واجهة لآخرين وهذا ما سيتابعه مع المعنيين في المستقبل ويمنع حصوله ما إستطاع".
ويتحدث عن عملية هيكلة بدأت من أملاك المطرانية في بعلبك التي تضم أكثر من ثمانين محلًا تجاريًّا لا يزال رسم الأيجار يستوفى منها على السعر القديم مما يشكل ظلمًا لمقدرات المطرانية التي تحتاج هذه الاموال لتغطية المصاريف والنشاطات".
في سؤالنا للمطران فرحة عن صوابيّة خيار المسيحيين التاريخي بتعزيز الدولة المركزية التي تحمي الأطراف وحول إذا ما كان لا يزال هو الخيار الأسلم اليوم خصوصا" في ظل ما يحصل في منطقة بعلبك من قطع للمياه مثلا" عن بلدة القاع أجاب بأنه "يترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله وقد طلب من الكهنة بألا يتعاطوا في شؤون السياسة في رعيتهم وعليهم بالإهتمام بشؤون كنيستهم ، فلتحاسب الناس اهل السياسة عند تقصيرهم، وأما مقاربة الموضوع من حيث هموم أبناء الرعية فقد طرح المطران خلال لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الاسبوع الماضي، خلال زيارته له لشكره على إرساله موفدا" لحضور حفل سيامته الأسقفية موضوع مشكلة مياه القاع وقد وعده خيرًا بمتابعة التعديات وتوقيف أجهزة الدولة لها.
يعارض المطران مفهوم "ناس بسمنة وناس بزيت فهو يريد تطبيق القانون على الجميع وهذا ما يهمّه وما يطلبه من مؤسسات الدولة وهو يطالب بالعدالة في تأمين الوظائف لأبناء الطائفة والمنطقة كما لسائر الأشخاص. يشدد المطران في ختام حديثه على اهمية الشباب والحركات الرعوية التي سيرعاها في شكل خاص ويقول لهم " أحبوا كنيستكم وإخدموا بها " ، أزورهم زيارة الأب لأبناءه وأصغي لحاجاتهم الكنسية في الدرجة الأولى، أسعى لإنشاء المدارس والمستوصفات في أماكن غيابها وقد طلبت من الرئيس إنشاء غرفة طوارئ ضمن المستوصف العسكري في منطقة البقاع الشمالي كي ننقذ اكبر عدد من الأرواح في حال تعرضت لطارئ صحي قبل وصولها للمستشفيات في زحلة او بيروت وقد وعدونا خيرا".
الكنيسة تدعم الانتماء للارض
تتميز محافظة بعلبك الهرمل بكثافة ناخبيها الذين يبلغون نحو ٣٥٠ الف ناخب ، يتوزع المسيحيين فيها من القاع ورأس بعلبك والفاكهة والجديدة شرقا" وصولا" حتى قضاء دير الأحمر شمالا"، نسبة الناخبين منهم تبلغ نحو٤٥ ألف مقترع . مساحة القاع ورأس بعلبك لوحدهما تضاهي مساحة قطاع غزة إذ تبلغ حوالي ٣٧٠ كلم مربع . لا يزال أهل هذه القرى يملكون أغلبية الأرض. وساهمت نسبة الوعي والتحذير والاجراءات في السنوات الأخيرة من إيقاف بيع أراضي المسيحيين ( وحتى في إسترداد بعضها ) التي إنتشرت بكثافة بعد الحرب الأهلية والهجرة الكبيرة نحو بيروت. الوضع في دير الأحمر من هذه الناحية أفضل حالًا، إلا ان المشترك بين هذه القرى هو الإهمال الإنمائي وغياب الدولة".
الأب إيلي خوري كاهن رعية الفاكهة ومسؤول الشبيبة في أبرشية بعلبك الهرمل للروم الكاثوليك يقول أنه عندما يشعر الشباب ان الكنيسة تصلي لأجلهم وتدعمهم في نشاطاتهم ينشأ لديهم شعور بالإنتماء للمجتمع المحلي وهو ما يُقَلِّل من شعورهم بالبحث عن فرص خارج القرية نحو بيروت. تعدّ الكنيسة نشاطات شبابية وتنظيم مخيمات ترفيهية، ورغم كل ذلك فالإحتضان الروحي والاجتماعي لا يكفي وحده إذ ان الشباب يغادر لأسباب معيشية وتعليمية لا تستطيع الكنيسة وحدها حلّها .
وعن تجربته ككاهن في بلدة مختلطة بين المسيحيين والمسلمين ضمن محافظة كبيرة يشكّل المسلمون فيها الأغلبية الكبيرة يقول خوري أنها " تجربة مليئة بالتحديات والدروس لكنها ثرية. هناك صعوبات مثل سوء الفهم أو الاختلاف في التقاليد إلا أن الحوار يبقى السبيل الأمثل لتجاوز كل ذلك".
كما في كل لبنان يعيش المسيحيون في بعلبك الهرمل على انهم آباء هذا الكيان وأنهم سيبقون هنا بقوة الرجاء والإيمان .




